قناة العربية تتنفس الصعداء! وجيزيل خوري وحافظ الميرازي في حالة شرود كان يوما استثنائيا على قناة "العربية"، وكانت أسئلة مذيعيها لضيوفهم وخصوصا منهم الروس والسوريين في حدّ ذاتها إجابات واثقة أكثر منها استفسارات تحتمل الإيجاب أو السلب. بدا المذيعون والمذيعات جميعهم غير قادرين على تمالك أنفسهم أو إخفاء حماسهم الزائد. " لا بدّ أنّ شيئا ما حدث على الساحة الدولية ليتصرّفوا على هذا النحو، شيء ما حدث دون أن أعلم به من فرط انشغالاتي المهنية، لهف "العربية" على ملاحقة أخبار إيران وسوريا ومن والاهما ،حتى التافهة منها، ليس بجديد، لكنه هذه المرة لا يبدو لهفا "على الفاضي" ككل مرة، والمشكلة أنني كنت تلك الليلة ملزما بانتظار التوضيحات على نفس القناة، فقد اقتحم عليَّ موظفو الفندق خلوتي بدعوى أن من أقام بالغرفة قبلي كان قد وقع في المحظور وأضاف قناة الجزيرة إلى القائمة، مما عطَّل باقي القنوات بجميع غرف الفندق، وبذلك "وجَب" حذف الجزيرة من القائمة لتعود الأمور إلى نصابها، أي إلى العتمة. لابأس، قلت في نفسي بعد مغادرة الغرفة من قِبَل وحدة التدخل السريع والوقاية الإعلامية للسياح، لا بأس، سأكتفي بالعربية على أن أجري كعادتي التعديلات اللازمة على خطها التحريري المائل لاستنباط الخبر اليقين، غير مقتنع باتهام الجزيرة ‘تقنيا’ بمزاحمة ترددات القنوات بعد اتهامها ‘إعلاميا’ بمداهمة الشأن الداخلي للأنظمة و‘تجاريا’ باحتكار بث كأس إفريقيا وكأس العالم رغم مساهمتها في كسر الأسعار ووقف جشع قنوات "لارياضية" شهيرة. لو لم تكن شركات الاتصالات على غرار شركات الأدوية بالمغرب من الشركات الأقل وطنية في العالم، بدليل أن أسعار الاتصالات والعلاج لدينا هي من بين الأعلى في العالم بأسره، لتمكنت تلك الليلة باستعمال الإنترنت من فك الحصار المضروب على الجزيرة بذلك الفندق على الأقل. لكن رداءة الخدمة لم تمكّنّي حتى من ولوج مواقع الصحف فبالأحرى التقاط البث الفضائي الذي يتطلب صبيبا أكبر، مع أن شركات الاتصالات تلك تحقق مجتمعة أرباحا سنوية بملايير الدولارات، نعم بملايير الدولارات! أخيرا أطلّ أحد مذيعي العربية مزهُوّاً ليبدّد حيرتي :" أحمدي نجاد يُحوّل نيرانه إلى روسيا، وموسكو تردّ بقوّة." و"سوريا تقيم مشروعا لاستجلاب مياه نهر دجلة بتمويل كويتي ومباركة تركية". هكذا إذن ظهر السبب وبطل العجب، وصدق إحساسي بأن نبرة العربية مختلفة هذه االمرة عن المعتاد، وأنها وجدت أخيرا أخبارا ذات قيمة تعفيها من إجهاد طواقمها في شيطنة سوريا، و توضيب وتفجير ثورات إيرانية متتالية باستوديوهاتها، فأحمدي نجاد قد حوّل نيرانه المألوفة (كالتِّنِّين) إلى "حليفه" الروسي، مع أنّ تلك النيران لا تعدو أن تكون مجرّد تصريحات تتمسّك بحقّ مشروع أو تحذيرات للغرب المتحيّز أو في أقصى الحالات وعيدا للكيان الصهيوني الغاصب. أما سوريا فقد "اقترفت" ما يتعدى مجرد الممانعة وما يمكن استهجانه في العلن، لقد أقدمت على المساس بحق من حقوق العراق الذي تتباكى عليه "العربية" أكثر من العراقيين أنفسهم، بينما تستمرّ في شيطنة مقاومته وزعيمه الخالد. وقد أطلعتنا القدس العربي بتفصيل في إحدى افتتاحياتها مؤخرا على آخر صيحات أساليب الشيطنة التي مورست ضد العراقيين وزعيمهم، شيطنة كفَّ عنها الغرب البراغماتي النّفعي بمجرّد الإطاحة بصدام واغتياله شنقا، بينما لم يكفَّ عنها إلى الآن بعض السياسيين والإعلاميين العرب الحاقدين. وفي هذا الصدد عزّزت قناة العربية فتوحاتها الإعلامية لتلك الليلة بتقرير مصوّر ومفصّل عمّا أسمته "معاناة" شبيه صدّام، ذلك المصري الذي أكدت أنه "مصري بسيط"، أي لا خطر منه، وأنه ما زال يتلقى عروضا بتمثيل دور صدّام في أفلام إباحية للإساءة إليه وللحيلولة طبعا دون تحوُّلِه ولو بعد مماته إلى زعيم ومرجع قومي بلا منازع. ألِهذا الحدّ كان الشهيدُ وما زال غُصّة في حلق بعض العرب قبل العجم؟
تساءلت يومَها عن سرّ عدم توسيع "العربية" فتوحاتها الإعلامية لتشمل حزب الله مع أنّه ليس من عادتها إغفاله لدى الحديث عن إيران أو سوريا، ولم تتأخر كثيرا إجابتها على تساؤلي، ففي اليوم الموالي تابعت (بشغف، أعترف بذلك) إعادة لبرنامج استوديو بيروت لجيزيل خوري التي لم تَقْوَ على التألّق هذه المرة، والسبب يكمن بلا شك في ثقل وزن الضّيف الذي لم يكن غير النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني السيد نواف الموسوي ، مدعوما من حيث لم يكن يدري بطالبين لبنانيين في الجامعة اليسوعية أمام دهشة جيزيل خوري، أما المناسبة فكانت افتتاح المقاومة اللبنانية أوّل منتجع سياحي لها في الجنوب وهو عبارة عن متحف مفتوح لكل اللبنانيين. أجهدت جيزيل نفسها في محاولة إثبات أن الطالبين اللذين زارا مواقع حزب الله ضمن فوج سياحي طلابي، قد تعرضا للإغراء أو التغرير من حزب الله بشكل من الأشكال، وكانت أسئلتها من نوع : هل كان هناك بنات؟ هل دفعتم مصاري؟ لماذا اخترتم جولة إلى الجنوب وأنتم تستطيعون القيام بجولة إلى أوروبا؟ ولم يفتها إلقاء أسئلة ذات طابع "استخباري" فبدت كأنها تسعى إلى كشف شيء ما يمكن أن يدين المقاومة : هل صوّرتم؟ أين كان المقاومون، متخفين أم في بيوت؟ أجاب طالبا الجامعة اليسوعية على سيل الأسئلة بكل لباقة معبرين عن درجة عالية من الوعي السياسي، وأكثر من هذا جدّدا دعمهما للمقاومة واعتبراها شريكا للجيش في الدفاع عن لبنان. أعتقد شخصيا أن المؤهلات المهنية العالية لجيزيل خوري بدأت تتعرض منذ مدة للتآكل بسبب الخط التحريضي (عفوا،التحريري) الغريب لقناة العربية، شأنها في ذلك شأن العديد من الصحفيين المرموقين الذين يوجدون بها في حالة شرودٍ بيِّن، ولعل آخر من انضمّ إلى القائمة الصحفي حافظ الميرازي الذي طالما تألق مع "الجزيرة" من واشنطن. عبد اللطيف البوزيدي- كاتب من المغرب - مدوّنة أقلامٌ مقاوِمة