8/2/2010 |
عوني القلمجي 'يكفي للأنصار 'المقاومين' أن لا يخسروا حتى يربحوا'. هذه هي المقولة الشائعة التي يستخدمها وزير الخارجية الامريكية الاسبق هنري كيسنجر، كلما جرى تقييم للوضع العسكري في العراق. وهو بذلك اراد الهروب من الاعتراف بهزيمة قوات الاحتلال لعجزها عن انهاء المقاومة الباسلة، في حين كان الكاتب والخبير الاستراتيجي الامريكي جارلس رايس اكثر شجاعة، حيث قال 'أننا جيدون في الحرب التقليدية ولكننا فاشلون في الحرب ضد المقاومة، ليس هناك من ضوء في نهاية النفق، أن استخباراتنا فاشلة في العراق ولا تستطيع التمييز بين الأشرار 'المقاومين' والجيدين 'العملاء'، تماما كما كنا في فيتنام، فلا ندري الموظف العراقي الذي يعمل معنا، هل هو معنا بالفعل أو أنه يتجسس علينا ويعمل لصالح المقاومة؟!!!... أن استمرارية هذه الهجمات وتكرارها ستقضي على إرادتنا ورغبتنا في مواصلة الحرب وتجعل المقاومة تنتصر في النهاية'. اما الاخرون الذين اكدوا هذه الحقيقة، من جنسيات مختلفة، فعددهم يفوق العشرات، منهم، على سبيل المثال، الألماني شبنغلر في كتابه تدهور الحضارة الغربية، وويلي ولسن الانكليزي في كتابه سقوط الحضارة، وجيمس دوبنز، المحلل في مركز 'راند كوربوريشن' للأبحاث، وشون كاي، الأستاذ الجامعي في أوهايو، ونعوم تشومسكي، وبرجنسكي وغيرهم. في حين تنبأ بول كندي، صاحب كتاب صعود وسقوط الامبراطوريات، قبل الاحتلال بعدة شهور، بـ 'ظهور مقاومة عراقية قادرة على الحاق الهزيمة بامريكا وباسلحة بدائية بسيطة، وبعمليات استشهادية لم تألفها من قبل'. بينما حذر مؤلف كتاب تناقض القوة الأمريكية، جوزيف ناي، الذي كان يعمل مساعداً لوزير الدفاع السابق في حكومة بيل كلينتون، في نهاية كتابه، الحكومة الأمريكية من 'المصير الذي قد تجد نفسها منساقة إليه، والذي يشبه مصير الإمبراطورية الرومانية، التي فسدت من داخلها، وذلك للتناقضات الكبيرة الموجودة في سياسات القوة الأمريكية'. واخيرا وليس اخرا، نقرأ شهادة المفكر الامريكي المعروف فرانسيس فوكوياما، صاحب نظرية نهاية التاريخ، في مقال له، بأن 'نظرة على صورة العالم اليوم تصيب بالغم وتثبط الهمة: فوضى في العراق، طموحات نووية ايرانية، تزايد النفوذ الروسي باستخدام الثروة النفطية، كوريا الشمالية النووية، انتصار اعداء أمريكا في انتخابات أمريكا اللاتينية خاصة فنزويلا وبوليفيا والاكوادور. وان النموذج الديمقراطي الامريكي أصبح يرمز إليه بسجناء 'أبي غريب' معصوبي العينين أكثر مما يرمز إليه تمثال الحرية الشهير'.! الاستطراد هنا له وظيفة كونه يكتسب اهمية خاصة جراء الحملات الضخمة التي يقودها الاعلام الامريكي العملاق ضد المقاومة العراقية، فمثل هذه الاعترافات والتنبؤات تؤكد على ان انتصار المقاومة ضد قوات الاحتلال امر حتمي في نهاية المطاف، مادامت لم تخسر المعركة. وان تراجع المقاومة لا يعني هزيمتها، كما اشاع اصحاب الفيل، لتبرير انتقالهم الى عملية المحتل السياسية، لتحقيق مكاسب ذاتية او فئوية ضيقة. فالتراجع في الحروب الشعبية الطويلة الامد، ليس سوى صفحة من صفحاتها يتم اللجوء اليه، لاسباب تتطلبها تطورات الصراع، او لدواع ذاتية او موضوعية. والتاريخ لم يقدم لنا مثالا واحدا عن مقاومة خاضت حرب تحرير شعبية طويلة الامد، كالتي تجري رحاها على ارض العراق، وسارت بخط صاعد على الدوام. بل ان هذه الحروب تعتمد اصلا على مبدأ الكر والفر قبل انتقال المقاومة الى الهجوم الاستراتيجي النهائي لطرد قوات الاحتلال. وفي ظني ان معركة المقاومة العراقية لا تزال في بدايتها. لندع كل ذلك ونترك القادمين الجدد للعملية السياسية يغرقون في اخطائهم، والمكاسب التافهة التي يسعون الى تحقيقها، فهؤلاء مثلهم مثل المنافقين الذين قال الله عز وجل عنهم' اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين'، فالمقاومة العراقية تحث الخطى على طريق استكمال استعداداتها لتوسيع ساحة الصراع في المرحلة المقبلة، ان لم تكن قد استكملتها فعلا. وفي هذا الخصوص، لا أذيع سرا ان ذكرت، أننا كنا ومنذ سنتين نتابع الجهود المبذولة لبناء قواعد للمقاومة في المدن الجنوبية للعراق، ورغم عديد الصعوبات وتنوعها، تمكن الرجال الموحدون المرابطون من تأمين مستلزمات انطلاق مقاومة فاعلة ضد المحتلين في بغداد وجنوبي العراق، وكانت باكورة عملياتهم المباركة في تموز الخير، حيث وجهوا صواريخ الحق ضد سفارة العدوان في المنطقة الخضراء، فقتلوا وجرحوا أكثر من (19) من موظفي السفارة وعناصر شركات الحماية، وبضمنهم عدد من عناصر شركة الحماية (شجرة طوبى) الاسرائيلية، ثم تتابعت ضرباتهم ضد قوات الاحتلال في البصرة والناصرية. ونعلم أن القادم من الأيام، أيام رمضان العطاء والخير والبركة، ستكون أشد وأقسى على المحتلين وعملائهم في العملية السياسية المخابراتية، وعندها يطبق جناحا الوطن على الغزاة والأذناب. وعلى عكس اصحاب الفيل الذي اخذوا يتحدثون عن المقاومة باستخدام الفعل الناقص كان واخواتها، ويعددون مناقبها بما يشبه رثاء الشهداء، فان قوات الاحتلال قد ادركت ما تخبئ لها المقاومة العراقية، واخذت تتعامل مع اي تصعيد في العمليات العسكرية بجدية وقوة، بحيث اضطرت في الاسبوعين الماضيين الى القيام بعدة انزالات لجنود مظليين في مدن عديدة، منها هيت وديالى والفلوجة وكركوك، والاشتباك في قتال ضار مع قوات المقاومة في هذه المدن. ليس هذا فحسب وانما قامت قيادة قوات الاحتلال في الاسبوع الاخير من هذا الشهر، وعلى وجه التحديد في 22 منه، بارسال 3000 جندي مارينز الى محافظة الانبار عموما، والى مدينة هيت خصوصا لاستعادتها من سيطرة قوات المقاومة عليها. نحن اذن امام مرحلة جديدة من الصراع قد بدأت ملامحها منذ عدة شهور، والتي نجد بداياتها في المعارك المتنوعة، ومنها القصف اليومي لجميع القواعد العسكرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها، وتكبيد قوات الاحتلال خسائر جسيمة في الارواح والمعدات، رغم التعتيم الاعلامي عليها. ويمكن القول بان المقاومة العراقية قد بلغت مرحلة التوازن مع قوات الاحتلال، وهي في طريقها للانتقال الى معارك نوعية تدخل في خانة الهجوم الاستراتيجي. وهذا يعيد للاذهان عودة المقاومة العراقية بقوة الى ساحات القتال حين تصدت، لاستراتيجية بوش المهزوم في بداية عام 2007 وكسرت حدته في اماكن متعددة، بعد حالة التراجع التي اضطرت اليها جراء الخسائر التي تكبدتها بسبب الهجوم البربري ضد معاقلها ومدنها الرئيسية، بل وانتقلت حينها الى الهجوم المقابل مستهدفة واحدة من اكبر قواعد المحتل العسكرية في العاصمة العراقية بغداد، ونعني به الهجوم الشجاع الذي شنته المقاومة العراقية على قاعدة الطارمية، التي تبعد عدة كيلومترات شمال بغداد وتدميرها وقتل اكثر من خمسين جنديا امريكيا، واسقاط عدد من طائرات الهليكوبتر بكل انواعها المتطورة والمحصنة ضد الصواريخ . الاهم من ذلك كله هو ان المقاومة العراقية، وهي تستعد لخوض غمار المرحلة القادمة من الصراع، قد استوفت جميع الشروط والمستلزمات التي لها صلة بخصائص حروب التحرير الطويلة الامد. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قدرتها على خوض حرب استنزاف طويلة الامد وباسلحة بسيطة، وقدرتها ايضا على توسيع ساحة المعارك وانتزاع زمام المبادرة، والعمل بمرونة كبيرة، وحرية القيام بالعمليات الهجومية السريعة والمباغتة، واختيار نوع العمليات والاهداف، وبراعتها في الاختفاء عن عيون العدو، وامكانية الانتقال من مرحلة الى اخرى، بما فيها الانتقال من مرحلة الدفاع الاستراتيجي الى الهجوم الاستراتيجي. على عكس المحتل، الذي رغم قوته وما تتمتع به قواته من حجم كبير وجودة في الأسلحة والمعدات وحسن التدريب العسكري، فهو يعجز عن توظيف هذه الخصائص لصالحه. حيث تتحول قواته الكبيرة الى قوات صغيرة، اذا ما دخلت وسط ملايين الشعب المحتل، وتفقد في نفس الوقت عناصر قوتها الرئيسية، مثل تفردها التكنولوجي وفاعلية أسلحتها الذكيّة وصواريخها البعيدة المدى وقوة طائراتها التدميرية، بل ويختل لديها ميزان السيطرة والقيادة المركزية وتتعطل عقائدها العسكريّة، التي تعتمد على السرعة والحركيّة. يضاف الى ذلك جهلها في جغرافية البلد وطبيعة شعبه. بالمقابل وعلى الجهة الاخرى، فان المقاومة العراقية، استوفت ايضا مستلزمات وشروط الانتصار النهائي ضد قوات الاحتلال طال الزمن ام قصر. فثقة شعبنا بالمقاومة، تزداد يوما بعد اخر. مثلما تزداد رعاية وحماية الناس للمقاومة، وتقديم كل ما يلزم لمساعدتها، يضاف الى ذلك ما تمتلكه المقاومة من رصيد ضخم من القدرة على التحمل والارادة القوية على مواصلة القتال، والخبرة الواسعة، واستقلال القرار السياسي والعسكري، وفق كل ذلك، فان رجال المقاومة مثلهم كمثل المؤمنين الذين وصفهم القرآن الكريم 'والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس'. ناهيك عن ان المقاومة تدافع عن ارضها وكرامة اهلها واستقلال بلادها، في حين ان القوات المحتلة أتت من بعيد لتعتدي على البلاد والعباد خلافا لكل القوانين والشرائع الدولية. لكن، ومع كل ذلك، فان كل هذه المزايا والخصائص تبقى بحاجة، وخصوصا لجهة تحقيق الاهداف الكبرى في مرحلة التحرير وما بعدها، الى توحيد فصائل المقاومة وتشكيل جيش التحرير تحت قيادة موحدة ذات توجه سياسي مشترك، قبل الانتقال الى معارك تحرير المدن واقامة سلطة مركزية موحدة عليها، وصولا الى تحرير العاصمة العراقية بغداد. ليس هذا فحسب، وانما ينبغي، الى جانب ذلك، تحقيق الانجاز السياسي الاهم، والمتمثل بقيام الجبهة العريضة التي تضم جميع الفصائل والاحزاب والقوى والشخصيات الوطنية المعادية للاحتلال، سواء كانت مسلحة او سلمية. واذا كان العمل العسكري يتطلب التخطيط والتنسيق، فان انجاز مهمة الجبهة تتطلب اكثر من ذلك، خاصة وان هناك العديد من القوى والعناصر المساومة والمتخاذلة، ستسارع لتغير مواقفها وتتظاهر بعدائها للاحتلال لتلتقط الثمار على حساب دماء الشهداء. فليس من الحكمة والحالة هذه احتواء هؤلاء تحت ذريعة مفهوم الجبهة العريضة، فكلمة الحق هنا لابد وان يراد بها الحق فعلا وليس الباطل. نحن على يقين بانتصار المقاومة العراقية، ومثلما خاض اجدادنا الاوائل اول حرب تحرير في التاريخ الانساني، حسب المصادر الآثارية، بقيادة الملك السومري 'اتوحيكال' ضد المستعمرين القوطيين الذين قدموا من الشرق، وحرر الارض والانسان من الغاصبين الاجانب، فان المقاومة العراقية ستحرر العراق من المستعمرين الامريكيين واتباعهم لتتحرر شعوب الارض قاطبة. ' كاتب من العراق |