الأربعاء، 21 يوليو 2010


أثنار: خبير القلاع الأمامية والحروب الاستباقية
06/07/2010
لكي يبث نداءه العاجل الداعم لإسرائيل، اختار السيد خوسيه ماريا أثنار، رئيس الوزراء الإسباني السابق صحيفة 'التايمز' اللندنية، الصحيفة البريطانية المحافظة، ربما ليتناسب المنبر والحال مع المقال. فصحيفة 'التايمز' من أعرق الصحف الغربية، مرّ على إنشائها ما يفوق القرنين وبنت بالأقدمية 'مصداقية مشهودة' على مقاس الرأي العام الغربي طبعا، كما أنها مافتئت تعزز مصداقيتها تلك لدى رأي عام براغماتي حدّ العنصرية و'مصلحجي' حدّ التغاضي عن التلفيق والزور، بتحيُّزها الفاضح ضد القضايا العادلة للشعوب المستضعفة، إذ كانت الصحيفة سباقة إلى إثارة العديد من القضايا الخلافية والزوابع السياسية ذات الصلة بالعرب والمسلمين على الخصوص، ليتّضح فيما بعد نقص أو زيف معلوماتها ومصادرها. أليست 'التايمز' من أعادت مؤخرا إلى الواجهة قضية تسلح حزب الله وتخزين الصواريخ بجنوب لبنان وقدمت 'أدلة' سرعان ما اتضح تهافتها على غرار أدلة كولن باول الشهيرة حول برنامج العراق الكيماوي المزعوم؟ ألم تكن 'التايمز' هي من أعلنت، زورا ربما، أن هناك اتفاقا سريا بين السعودية وإسرائيل لفتح المجال الجوي للمملكة أمام ضربة جوية لإيران؟ أليست نفس الصحيفة دائمة التشهير بالمقاومين والتنظيمات المقاومة التي تنعتها بالإرهابية بلا أدلة موضوعية سوى ادعاءات الصهاينة ومَنْ وَالاهم من ساسة الغرب؟ لهذه الأسباب اختار السيد أثنار صحيفة التايمز منبرا ولكن أيضا وبالخصوص لأنها تدعم إسرائيل وبلا مواربة بافتتاحياتها الواسعة الانتشار، فقد دأبت على الْتِماس الأعذار للكيان الصهيوني بعد كل جريمة نكراء يرتكبها، ولم تتوانَ عن نصرة إسرائيل حتى عندما استعملت القنابل الفسفورية ضد الفلسطينيين المحاصرين العزل، معنونة إحدى افتتاحياتها: 'الفسفور الأبيض' إسرائيل أمة حريصة وقادرة على محاسبة نفسها' (وهو نفس المنطق الذي يتكرر حاليا في قضية التحقيق في الهجوم الدّامي لقراصنة الصهاينة على أسطول الحرية) وتضيف التايمز:'إسرائيل دولة ديمقراطية، وهي على خلاف عدد من جاراتها الدول العربية، تملك الإرادة لمحاسبة نفسها'(عن القدس العربي عدد6424 ليوم03/02/2010) علما أن 'التايمز' كانت سباقة إلى كشف ماهية تلك القنابل المحرّمة دوليا وفي نيتها آنذاك بلا شك إبراز 'عدم سريان القانون الدولي على إسرائيل' وبالتالي تعزيز هيبتها والحد من تآكل قدرتها على 'الرّدع'. كما لم تقصّر التايمز في نصرة إسرائيل عندما أهانت الولايات المتحدة برفض إيقاف الاستيطان في القدس، وكتبت في هذا الصدد:' لا ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تنسى أنّ إسرائيل تمثّل أهمية استراتيجية كبيرة...وهي شريك صعب بالتأكيد لكنّه جاد وجدير بالثقة'.
أعتبر شخصيا أن السيد أثنار، كداعم متفان ولا مشروط للكيان الصهيوني، قد أجاد اختيار 'التايمز' منبرا لمقالٍ أرادَه مُدَوِّيا، ربّما ليعيد إلى اسمه بريقه على الساحة الدولية فيرفع أسهمه (وأسعاره) في بورصة المحاضرات والاستشارات السياسية، لعله يحظى مثل نظيره البريطاني 'بلير' بصداقة عائلة حاكم تملك بلدا وشعبا كما يملك هو يَخْتاً وخدَماً. لكنّ أثنار أخطأ التقدير ولم يكن مقاله كما تَوَقَّعَهُ، فالدّعوات إلى دعم إسرائيل مثل 'الهمّ على القلب' من كثرتها ولا شك أنها ستزداد تكاثراً كما هي العادة كلّما تورّطت إسرائيل. لا جديدَ إذن في نداء أثنار، فالغرب يدعم الصهاينة بنداءات وبدونها، لكِنْ، ما الذي جعل أثنار يرى ضرورة ملحَّة في التذكير بأهمية إسرائيل الاستراتيجية بالنسبة للغرب؟ ما الذي يدفع سياسيا كبيرا متقاعدا ولا علاقة ظاهريةً له بإسرائيل، ما الذي يدفعه إلى الدعوة إلى حمايتها واعتبارها قلعة أمامية متقدّمة من قلاع الغرب بل أهمها على الإطلاق؟ لأول وهلة، يبدو أن لديه أسبابا موضوعية وجيهة منها خشيته من أن يتحوّل الموقف الرسمي الغربي من 'تجاوزات' إسرائيل من العتاب إلى العقاب، ويتحوّل موقف شعوب الغرب من الاستياء إلى العداء، خصوصا بعد قرصنة أسطول الحرية، غير أن هناك أسبابا أخرى ذاتية محضة دفعت الرجل إلى الانبعاث مجددا من رماد مستقبله السياسي الذي أتت عليه تفجيرات مدريد في 2003 ، من بين تلك الأسباب في اعتقادي : كونه يعتبر نفسه في سلة واحدة مع الصهاينة حين يتعلق الأمر بعرب أو مسلمين، فالإسبان واليهود كلاهما تعرّضا 'لغزوهم' وما زالا تحت 'تهديدهم'، ومن ثَمّ فوجود إسرائيل ضروري لإيقاف 'حملات' المسلمين القادمين من الشرق في مهدها. كونه يعتبر أن من خططوا لتفجيرات مدريد ومن نفّذوها من المسلمين إنما كانوا يستهدفونه وحكومته بالدرجة الأولى، وهذا صحيح إلى حدّ كبير، فأثنار كان من أكبر خدّام صقور البيت الأبيض ومن أشدّ المتحمّسين للحرب الاستباقية على العراق على الرغم من معارضتها من لدن غالبية الشعب الإسباني، لذلك فهو لا يرى مانعا من أن تخوض إسرائيل ويخوض الغرب من أجلها معارك استباقية، بل إن في ندائه تحريضا صريحا على نصرتها ظالمة أو مظلومة. أليس الرجل خبير حروب استباقية، ألم يكن على وشك إشعال فتيل حرب ضد المغرب من أجل جزيرة ليلى (تورة) التي يعتبرها إسبانية وهي لا تبعد عن الشاطئ المغربي إلا بعشرات الأمتار كونه أيضا خبير قلاع أمامية متقدمة، ولا بأس بل يجب أن تكون تلك القلاع مقتطَعَةً من أرض'العدو'، بمنطق الشريط الأمني، فإسبانيا تحتفظ منذ قرون بقلاع أمامية على أرض المغرب وبمياهه الإقليمية تتمثل في مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وغيرها، لذلك فالسيد أثنار لا يجد غضاضة في دعوة الغرب إلى دعم 'قلعته' الأمامية المقتطعة من أرض العدو والمغروسة في خاصرة المنطقة العربية والإسلامية.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي -القدس العربي اللندنية

كسبُ جولةٍ من جولات الصراع مع الصهيونية؟
17/06/2010
قبل الخوض في ما إذا كانت ملحمة أسطول الحرية قد شكّلت بداية منعطف تاريخي أو ضربة قاصمة لإسرائيل أو نهاية مرحلة وبداية أخرى، لنتّفق أولا ومن الآن فصاعدا أنّ تسميات الصراع الدائر منذ ما يزيد عن الستة عقود حول القدس والمقدسات وباقي فلسطين المغتصبة مثل تسمية: 'الصراع العربي-الإسرائيلي' أو 'الصراع العربي-الصهيوني'، قد أضحت تسميات بالية غير شاملة حتى لا نبالغ ونقول إنها صارت تسميات غير صالحة للأستعمال، ما دام معظم العرب قد طرحوا مسؤولياتهم التاريخية والقومية أرضا،بطرحهم مبادرتهم التي فسَّرها عدوُّهم استسلاما وإطلاقا لليد في ما تبقى من مقاومين وممانعين.
فلْنُسَمِّ الصّراعَ 'الصراع الإسلامي-الصهيوني' (نسبة إلى الدول الإسلامية وليس نسبة إلى التنظيمات االإسلاموية المثيرة للجدل)، لانخراط إيران وتركيا فيه كل بطريقته وأسلوبه الخاص الذي يزاوج لديهما -على الأقل ظاهريا أو من حيث المبدأ- بين مصلحة الأمة والمصلحة القُطرية البحتة، وقد لا نبالغ بتسميتنا الصّراع ولو مُبكّرا: 'الصراعَ الإنسانيَ-الصهيونيَ' نظرا للأنخراط الكثيف للشعوب والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني عبر العالم في دعم الطرف الفلسطيني بكل أطيافه خصوصا منذ فرض الحصار على غزة والحرب الفسفورية الجائرة عليها.
فهل جاءت 'ملحمة الحرية'، رغم ما كلّفته من أرواح توّاقة إلى نصرة الحق وإحقاقه ولو كان ثمنه الشهادة، جاءت لتعلن - بشكل متعمد ربما من الطرفين التركي والإسرائيلي فيما يشبه التحدي التركي وقبول التحدي إسرائيليا- بداية مرحلة جديدة من الصراع بالمنطقة، تتخذ من المجال الحقوقي والمدني المتنامي المكانة والنفوذ مسرحا لها، وتجعل من أدواتها فرضَ إِعْمالِ القانونِ الدولي وضغطَ المجتمعات المدنية على الحكومات؟ وهل تنخرط الأنظمة العربية في المواجهة الحقوقية المدنية والإنسانية التي ستشعل فتيلها بلا شكٍّ ملحمةُ أسطول الحرية، أم أنها ستفوت الفرصة (كما فوّتتها غداة تقرير غولدستون الأشدِّ وقْعا وإِدانة لإسرائيل) لمجرد منع 'تعاظم' الدور التركي بالمنطقة عبر نصر سياسي وحقوقي على الأقل، في وقت ما زال بعضٌ من تلك الأنظمة يبحث فيه عن مخرج لتعاظم الدور الإيراني؟ ما أشبه الصراع مع الصهيونية بمواجهةٍ في لعبةٍ تُكْسَبُ خلالها الأشواطُ شوطاً شوطاً لكسب الجولات التي تقود إلى كسب المواجهة،مع فارق جوهري طبعا أن الصراع حول فلسطين ليس لعبة بقدر ما هو صراع وجودي مصيري، ما أشبه مراحل هذا الصراع بمراحل لعبة تُرغِمُ الشُّعوبَ والقوى الحيةَ والأطرافَ الدولية كافّةً على المتابعةِ والالتفاتِ يَمْنةً ويَسْرةً وبوتيرة تتصاعد حينا وتخفت حينا لتتبع أفعال وردود أفعال الطرفين، في صراع غير متكافئ لكنه محيِّر ومشوق لأنه عصيٌّ على الحسم من هذا الطرف أو ذاك، ولأنه صراع يستمد شرعيته الدولية واستمراريته من عدالة قضية شعب بأكمله، كما يستمد الاهتمام الدائم من غرابةِ واستحالةِ استمرارِ الظُّلمِ الذي يُلاقيه الفلسطينيون والحيفِ الذي يلحقُ قضيتَهم.
وفي نفس السياق كانت'ملحمة أسطول الحرية' بمثابة نقطة ثمينة ومِفصليةً خسِرتْها إسرائيلُ ستقود في اعتقادي إلى طيّ شوط يُمَكِّنُ تركيا من كسب جولةٍ وافتتاح جولة جديدة، وربما يفيد هنا التذكير أن تركيا قد دشّنت هذه الجولة منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، في محاولة منها كسر دور الحاضر الغائب الذي طالما لعبته الأنظمة العربية حين لا تتورط علانية في التغطية أوالمشاركة أو ما يدعوه بعضها 'الشراكة في صنع السلام'، جولةٍ جديدة أعلنت عن دخول تركيا اللاعبَ الجديد إلى حلبة الصراع ولو من البوابة الحقوقية أو على مستوى تجميد العلاقات والاتفاقيات. لقد أوْقَعَت ملحمة أسطول الحرية العالم بأسره في حرج كبير، وأوقعت الجيشَ والحكومةَ الإسرائيليين معاً في فخّ 'قبول التحدي التركي والدولي' لاعتبارهما تلك الخطوةَ الجَسورةَ على رمزيتها، قبل أن تكون أسلوبا لكسر الحصار على غزة، نوعاً من كَسْرِ الإرادة ومحاولةً للحدِّ من العربدة الإسرائيلية 'المشروعة' والتي لا تحدُّها حدود، بريةً كانت أو بحريةً أو من أي نوع آخر، فإسرائيل لا تجهل أن حَمولةُ بضع سفن مهما كبُرت لم تكن لتسُدَّ الخصاصَ المهولَ في المُؤن أو لتقضي على الأزمة الغذائية والصحية التي يعانيها قطاع غزة منذ سنوات. هذا عن أهمية مبادرة 'أسطول الحرية' التي كانت بلغة الشطرنج نقلةً يستحيل منعها، أرغمت إسرائيل على خرق كل 'قوانين اللعبة من أساسها'، أما عن الدور العربي في مرحلة ما بعد 'ضرب أسطول الحرية' فهو دور لم تتبلور بعد ملامحه بقدر ما تبلورت ملامح الموقف الشعبي، إذا استثنينا فتح مصر معبر رفح والذي لا يُعلم لحد الساعة ما إذا كان بداية لفك أحادي الجانب للحصار أم تكتيكا لامتصاص أي غضب شعبي مصري قد يجعل من تغييرالنظام المحتضر أو الإطاحة به هدفا له، وإذا استثنينا أيضا سرعة مبادرة السلطة الفلسطينية إلى إدانة الهجوم على أسطول الحرية والتي يمكن أن تُعزى إلى الرغبة في التبرُّئ من تهمة مباركة الحصار المفروض على غزة من جهة واستعادة دور 'المفاوِض' الذي بدأت السلطة تفقده أكثر من رغبتها في المواجهة والعودة إلى دور 'المقاوِم'، إذا استثنينا ردتي فعل مصر والسلطة الفلسطينية الناجمتين عن اعتبارات داخلية والتي أغلب ظني أنها ظرفية وتمويهية بل يمكن القول إنها لن تكون إلاّ انحناء مؤقتا للعاصفة التي أثارتها ملحمة أسطول الحرية والتي كانت بحق من النوع الذي لا يمكن أن يمر دون إثارة زوابع، ما عدا هذين الموقفين الدفاعيين، لا أعتقد أن ردود الدول العربية الجماعية أو الفردية يمكن أن تتعدى المألوف من مجرد الشجب والتنديد والإدانة، وفي أقصى الحالات اللجوء إلى مجلس الأمن الذي يعلمون أن إسرائيل ترفض قراراته منذ عقود بلا تبعات تذكر.
لكن بالمقابل، وحتى لا نستبق الأحداث باستنتاجات مبكرة أو سابقة لأوانها، ولكي نبقى في مرحلة طرح تساؤلات مشروعة نابعة من فرضيات منطقية، يجدر في اعتقادي أن نتساءل عن أقصى ما يمكن أن يجنيه الفلسطينيون وقضيتُهم من دخول تركيا على خط الصراع مع الصهيونية العالمية، فما الذي يمكن أن يتمخّض عن كل هذا الحراك التركي الذي سبق وأعقب الهجوم الإسرائيلي الدامي على أسطول الحرية، من تصريحات نارية مباشرة واجتماع لرئيس الوزراء السيد أردوغان مع وزير دفاعه والقائد الثاني للجيش التركي وكذا اجتماع مجلس الأمن القومي التركي الذي تدارس الوضع استثنائيا من بين ما تدارسه، ناهيك عن إلغاء أو تجميد الاتفاقيات الاستراتيجية العسكرية لتركيا مع الكيان الصهيوني وحتى طلب اجتماع حلف النيتو ومجلس الأمن الدولي؟ بعبارة أخرى ما الذي سيجنيه الفلسطينيون غير التباعد 'المحمود على كلّ حال' بين تركيا وإسرائيل وعودة العلاقات بينهما إلى نقطة الصفر؟ وهل يمكن أن يتمخض عن تبعات ملحمة أسطول الحرية فك الحصار على قطاع غزة حتى تصير الخطوات التركية ذات معنى وذات جدوى؟ وأخيرا وليس آخرا، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة وأوروبا في احتواء'الغضبة التركية' بعدما فشلتا إلى جانب العرب في منع استمرار الاستيطان والعربدة الإسرائيلية؟
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية

الجامعة العربية: صنمُ الوحدةِ الذي لم يَعُدْ يُمَجِّدُه أحد
10/06/2010
مرة أخرى نعى 'رأي القدس' ليوم الجمعة 04-06-2010 النظامَ العربي الرسمي بعد الاطلاع على هزالة ما توصل إليه وزراء الخارجية في اجتماعهم في إطار الجامعة العربية والذي كان مخصصا لتدارس الهجوم الإسرائيلي الدامي على أسطول الحرية، فهزالة الموقف العربي كانت فعلا بمثابة عَرَضٍ آخَرَ من أعْراض الموت السريري للعمل العربي المشترك.
وبذلك وجب النعي في كل مرة يتم فيها إخراج رفاة الجامعة لتمثيل دور 'صنم الوحدة' الذي لم يعد يمجِّده أحدٌ. لقد ذكّرَني 'رأي القدس' بالجامعة العربية وكأنه يذكّرني بعزيز دفنَّاه، أَوَمَا زالتِ الجامعةُ العربية حيَّةً؟ أما زالت عَرَبَتُها تُدَخِّن وهي المُنْقلِبَةُ على قارعة طريق الوحدة؟ كان سقف انتظارات مؤسّسيها عاليا وتوهّموا وأوهموا الشعوب العربية أن الجامعة مدخل إلى الوحدة السياسية العربية، دون أن يحسبوا حساب التيارات المتغربنة والمتصهينة أو على الأقل حساب النزعة القُطْريةِ المتجذِّرة التي لم تُلْغِها الوصاية العثمانية وأسهَمَ في تكريسِها الاستعمار الأوروبي، فقد أُفْرِغَت الجامعة من مضمونها الوحدوي منذ التأسيس لأنها لم تُمنح أبدا السلطات أو الأدوات القانونية الكفيلة بضمان وحدة القرار العربي وإلْزاميته لكافة الأعضاء، وبقيت على مدى عقود تلعب دور جمعية للعلاقات العامة أو في أحسن الأحوال دور مجلس تشاور يتم فيه تجاذب أطراف الحديث حول كل شيء دون الالتزام بشيء، أو لِنَقُلْ إنّ الجامعة أصبحت تكتفي بدور 'المكتب الإعلامي العربي' لتتحول في المحصّلة إلى 'دِرْع سياسي وإعلامي جماعي واقٍ' يُجَنِّب أنظمةَ الدولِ الأعضاء تحمُّلَ المسؤولية أو التبعات فردياً. ففي موضوع أسطول الحرية وتبعاته ما الذي كان سيضير النظام المصري والسلطة الفلسطينية لو أنهما بادرا منذ زمن إلى التنديد بالحصار والمساهمة في فكّه وهما الأقدر على ذلك بعد إسرائيل طبعا؟ لكن النظام المصري والسلطة وجدا نفسيهما مضطرين أكثر من باقي الأنظمة العربية إلى تغيير موقفهما من النقيض إلى النقيض والاحتماء تحت عباءة الجامعة، الدرع الواقي الجماعي، ليظهر لنا السيد عمرو موسى المحدود الصلاحيات كأي كاتب عمومي، مرغما لا بطلا، وقد دُفع دفعا إلى تلاوة بيان مستنسخ مكرور ومطرّز بعبارات الإدانة والشجب والتنديد، والحق أن الرجل بذل من الجهود الشخصية الكثير دون جدوى لإعادة الروح إلى هياكل الجامعة المتكلّسة وطالب بمزيد من الصلاحيات وإلزامية القرارات، وأخذ لأجل ذلك مسافة معقولة من النظام المصري كلّفته حملات إعلامية شرسة من ذلك النظام عينه الذي سبق أن وجَّهَ ضربة قاصمة للعمل المشترك والقرار العربي الموحد، بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بشكل منفرد ودون سابق تشاور أو تنسيق. ليس هناك ما يمكن أن يُكْسب الجامعة العربية المصداقية والفعالية التي تفتقدها منذ نشأتها، أكثر من منحها الصلاحيات السياسية والاستراتيجية وكذا إحداث آليات لتفعيل إلزامية قراراتها (كإعادة تفعيل حلف الدفاع العربي المشترك مثلا)، أما أوجب واجباتها فهو في نظري السعي إلى سحب المبادرة العربية التي خفضت سقف المطالب العربية إلى أدناه وشجعت إسرائيل على العربدة بالمنطقة كما يحلو لها، مع دراسة كل الاحتمالات والبدائل الممكنة بما فيها احتمال الحرب إن لم يكن منها بُدٌّ، وإلا فلن يكون على السيد عمرو موسى إلا أن يضع المفتاح تحت السّجاد وينصرف إلى تقاعد مستحق آن أوانه.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية

العطر والقارورة بين 'كنافة' نابلس و'مسخّن' عارورة
03/05/2010

بينما تبدو منطقة الشرق الأوسط على شفير الانفجار، واحتمالات المواجهة العسكرية بأكثر من جبهة في أقصى مستوياتها منذ فترة ما قبل حرب رمضان 73، وفيما إسرائيل منشغلة بمواصلة الاستيطان وتهويد الأرض والمقدسات والتخطيط لتنفيذ أحدث صيغ الترانسفير وطرد الفلسطينيين من وطنهم وفي نيتها دقّ آخر مسمار في نعش السلطة وربما ضم الضفة، وفيما يستعد رباعي الممانعة ويضع آخر اللمسات على جاهزيته للمواجهة، فيما كل هذا الحراك وهذه الجلبة قائمان يجد رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض،
صاحب السلام الاقتصادي، سلام 'البطون وأضواء النيون'، يجد الوقت وهدوء الأعصاب الكافي للتنقل في ربوع الضفة متذوقا كنافةً هنا ومْسخّناً هناك، غير آبه بما يحاك لفلسطينيي الضفة وغير مراعٍ مشاعرَ المحاصَرين المجوَّعين من الفلسطينيين بغزة الصامدة، وكأنه يُمعِن في توجيه رسائلَ إليهم مَفادُها 'أنْ مَنِ اتّبع هُداي فلا خوفٌ عليهم ولا هُم يَسْغَبون'. بينما تُعِدّ إسرائيلُ إذنْ، في فورةِ عِنادٍ أرْعَنْ، 'مْسخّنَها' المُقرِف والمُقَرْفَنْ، يحلو لصاحب شعار 'سلامُ الاقتصادْ، خيرٌ فيّاضْ' أن يبذل الجهد والنفيس للتقيّد في موسوعة غينيس، بطبق كنافة هنا وصحن مسخّن هناك و'مَدْري إيشْ' هنالك، بدل السعي كما وعد مرارا إلى التقيّد كدولة مستقلة وذات سيادة في لوائح الأمم المتحدة، وكأنه يخشى أن يسبقه إلى غينس المسخن الهندي أوالكنافة البرازيلية ! فالدكتور فياض بخطواته الشجاعة هذه كخبير 'طبخات معصلجة'، وبالإشراف شخصيا رفقة ثلة من وزرائه على كنافة نابلس ومسخن عارورة، ربما يسعى إلى 'تسخين المقاومة'(نسبة إلى المسخّن) عبر بوابة التراث، مقاومة من نوع جديد مبتكر (ولا غاندي في أيّامه)، سهلة الاستعمال وفي متناول الجميع، يمكن أن نطلق عليها 'المقاومة بالمسخّن'، وهي على فكرة مقاومة قليلةُ الخسائر والأعراض الجانبية، تخمةٌ أو إسهال لدى البعض ويتم بلوغ االمراد أي 'التشبث بالأصالة والارتباط بالأرض'.وكعادتي في جمع مظاهر التخلف العربية 'الأصيلة' كما يجمع بعضهم الطوابع البريدية، خمنت أن يكون سبب 'انتفاضة المقالي والمشاوي' هذه، إصابة السلطة الفلسطينية بعدوى يمكن تسميتها 'عدوى أكبر (تفاهة) وأول (حماقة) في العالم'. صحيح أنها عدوى أصابت العالم أجمع لكن على مستوى الأفراد والجمعيات ولم تلق الرعاية والاحتضان من أعلى السلطات كما هو الحال لدينا. من قال إنه ليس لدينا نحن العرب نفس الطبائع ونفس العقول في الكعوب من المحيط إلى الخليج ؟ ألا نتشاطر ونتبادل التجارب الفاشلة ويشد بعضنا أزر بعض في الحفاظ على المظاهر المتخلفة وصيانة الظواهر الشاذة ؟ خير مثال يمكن أن نأتي به في سياق موضوعنا هو ظاهرة تهافت الأنظمة على تحقيق 'أكبر كذا أو أول كذا'، فمن أكبر كبة في لبنان إلى أكبر مشوي في تونس إلى أكبر كسكس بالمغرب، إلى أكبر كشري وأكبر سحور وأعمق وأسمك وأذلّ سور، وأكبر 'وقفةِ أيتامٍ، تحت الأهرام' ، مرورا بأكبر كنافة وأكبر مسخّن وأطول دبكة، في استباق غريب لِوَلائِم وأفراح تحرير القدس ! ومن أول ملتقى 'لتلاقح' الأديان إلى أول مزلج في الصحراء، ليكتمل المشهد ب'مفخرة' أول عرض علنــــــي للملابــــس(أو بالأحرى الخيوط) الداخلية النسوية في العالم العربي ! لا عجب أن تكون كل هذه 'الإنجازات' العربية تافهة وسطحية ومُكْلِـــــفة ومُتَكــَلِّفة، ولا غرابة أن يدبّ الهوان إلى أوصالنا بهذا الشكل، فالتخلف لا ينتج إلا التخلف، لِما يؤدي إليه من ضعف ودونية وتزلُّف. فمن يوقف مسلسل المهازل هذا؟ يكفينا 'فخرا'، إن كان الفخر هو ما نصبو إليه من وراء مثل هذه البهرجة وهذه الشطحات، أننا أكبر أمة مقسمة في العالم، نملك أكبر احتياطيات الطاقة وأكبر الصناديق 'الأَسيادية' (ندعوها سيادية!) وأحسن موقع جغرافي في العالم، ومع ذلك لا نفرط في مراتبنا التي هي الأدنى في العالم، وبالأخص حين يتعلق الأمر بما يمكث في الأرض وينفع الناس، وليس بمجرّد الزَّبَد الذاهب جُفاءً. عن أي سبْق وعن أية ريادة نتحدث ونحن نملك أدنى معدلات التنمية وأعلى معدلات الفقر والبطالة والأمية والفساد والانحراف والجريمة في العالم؟
عبد اللطيف البوزيدي- كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية
لمصدر : القدس العربي
في نقد الإعلام المبرمَج ودخول 'غوغل' على الخط
30/4/2010
هالني ما جاء في افتتاحيةٍ لإحدى صحف المهجر العربية بشأن تنظيم القاعدة، ليس لأن كاتبها أتى بجديدٍ حول الهجمة المريعة والمحزنة الأخيرة بالعراق، فمثل نغمته الهتشكوكية حول خطورة ووحشية تنظيم شبح لم تعد تطرب أحدا لكثرة ترددها على المسامع، ولا أحد عاد يجهل أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، بغض النظر عن طبيعته المقاومة حسب البعض أو الإرهابية حسب البعض الآخر، صار مشجبا تعلق عليه الأطراف الداخلية والخارجية كل مآسي العراق، أو منشفة يمسح بها مجرمو الداخل والخارج أيديهم بعد كل مذبحة يباشرون أو يُسَهّلون تنفيذَها، ولا أحد ما زال يصدق بالحرف كل ما ينسب لهذا التنظيم المحيّر، وإن أجهد بعضُ الكتّاب أنفسَهم في إبراز دوره دون غيره من المتسبّبين في فيضان 'وادي الدّماء' بالعراق. إنما هالني في الافتتاحية المذكورة مدى استماتة أقلام عربية وفي جو لندني يعبق بنسائم 'حرية التعبير' وحصانة الإعلام، استماتتها في محاربة تنظيم شبح تدعي لوحدها القدرة على رؤيته في أوضح صورة، في مقابل عدم جرأة نفس الأقلام على مجرد ذكر ما تبدَّى وثبت من جرائم 'ناعمة' وأخرى 'وحشية' اقترفها وما يزالون من تسميهم باختصار واحتشام:'الاحتلال'.
هالني كل ما تكدس بنفس الافتتاحية من تأكيدات لا تستند إلى أية وقائع أو حقائق ثابتة، أنا الذي هجرت مثل تلك الصحافة منذ أمد وبالذات بسبب قلة الموضوعية، لأعود إليها في إطلالةِ فضولٍ عابرة على أمل أن تكون الطفرة الإعلامية قد غيرت فيها شيئا، فأجدَ حالتها قد استفحلت، وأجدَ التحيّزَ والتهافت قد بلغا لديْها مداهما، فلم تعد تأبه لما يقال عن تحيزها المفضوح لأنظمة بعينها بالمنطقة وحليفها الاحتلال المتدثّر بدشداشة الديمقراطية المزعومة. بل أكثر من ذلك عدت لأجدَ تجرُّدَ تلك الأقلام من الموضوعية قد زاد عن حدّه، وافتقارَها إلى الوقار الإعلامي النابع من احترام ذكاء القارئ قد تحوَّل إلى 'أَنِيمْيا' فكرية وإعلامية. كان الرجل يستميت جَهْد ما استطاع في تحميل القاعدة كل ويلات العراق، وكانت تأكيداته من النوع الذي لا يجرؤ عليه حتى خبراء شؤون التنظيم الذين غالبا ما ينطلقون من فرضيات ليصلوا إلى أخرى دون التورط في ادعاء امتلاك الخبر اليقين حول طبيعة تنظيم القاعدة أو تحركاته واستراتيجيته، فقد كان الرجل يؤكد جازما أن القاعدة 'تحاول إيقاظ الفتنة' وكأن فتنة العراق نامت ولو ليوم واحد منذ سبع سنوات، وأنها 'تستدعي الحرب الأهلية والمذهبية' (عدنا إلى فرضية استمتاع الإسلاميين بالقتال واحتفائهم بطقوس الحرب المسلّية) وأنها 'تتخذ الدعوة إلى انسحاب أمريكي ذريعة لاستباحة أرض العراق' (من يستبيح ماذا؟) أما درة تأكيدات كاتب الافتتاحية فكانت بالتأكيد قوله: 'حرصت القاعدة منذ اللحظة الأولى على استهداف أجهزة الأمن والجيش، أي استهداف ما يساعد على التعجيل بانسحاب قوات الاحتلال'، وبذلك صار من يحارب الاحتلال وأزلامه هو من يريد بقاءه.
صحيح أنه لا يمكن لمتأمل الهجمات التي تنسب إلى تنظيم القاعدة أو حتى تلك التي يعلن مسؤوليته عنها، إلا أن يقرّ بأن أساليبه خارجة عن المألوف حتى إسلاميا، بل يمكن وصفها كما وصفها صاحبنا بـ'الوحشية' ما دامت تحدث أضرارا بشرية فظيعة، غير أنها لا يمكن أن تتفوّق في الوحشية على أساليب المحتل الأمريكي من تعذيب واغتصاب ويورانيوم منضب...، أو أساليب الصهاينة من جعل المدنيين دروعا بشرية واستهدافهم بالقنابل العنقودية والفوسفورية... ولست أقصد بهذا الدفاعَ عن تنظيم شبح لديه من المنظّرين والناطقين الرسميين مَنْ يتناقلُ العالمُ في سرعة البرق بياناتِهم وبجميع اللغات، كما لا أقصد استحسان أساليب التنظيم الانتحارية التي فيها من الجبن والاتّكالية والتغرير والعشوائية ما يبعدها كلّيا عن الأساليب 'الجهادية' الدفاعية التي يرتضيها الإسلام بمختلف طوائفه ومذاهبه، وتصفها وصفا دقيقا مصادرُ تشريعِه، مِنَ التّعاملِ مع البشر إلى معاملة الشجر والحجر أثناء القتال، إنّما أقصد استنكار التّضليل الذي تمارسه بعض الكتائب الإعلامية للأنظمة، تضليل دافعُهُ في الحالة العراقية بالذّات هو في اعتقادي ما أسمته الدكتورة مضاوي الرشيد 'عقدة العراق' التي تعاني منها منذ الأزل معظم أنظمة المنطقة. كما أقصد بالتحديد استهجان محاولات صرف الأنظار عن الاحتلال الأمريكي الدنيء وما سبّبه وما زال يسبّبه للعراق وأهله، وجعله في منزلة من دخل العراق عن وجه حق ولا ينتظر للانسحاب منه إلا تبخُّرَ القاعدة لينصرف بعد إتمام مهمّته الإنسانية! إنه التطبيع مع الاحتلال والهيمنة الغربية في أوضح تجلّياته، بل هو في اعتقادي ما يسميه الكاتب صبحي حديدي 'تجميل وجه الهيمنة القبيح'.
وما دمنا بصدد الحديث عن 'القاعدة'، والقاعدة بـ'القاعدة' تذكر، فإنّ النظرة المقارنة بين تنظيم القاعدة والاحتلال يجب أن تبنى على قاعدة أكبر مجموع من الأذى وليس على قاعدة آخر ضحيّة. نعم لمواساة شعب العراق في كل ما يصيبه من القاعدة أو من غيرها، لكن ليس على طريقة 'لا تبْكِ يا بُنيّ، فالأشباح التي تُخيفُك سيطردُها العمُّ سام'. نعم وألف نعم للتقريب بين شيعة العراق وسنّته والتطرّق لأسباب تباعُدِهما، لكن رجاءً ليس على طريقة 'أسنانُك المسوّسة يا بُنيّ أكلَتْها الفارة (أو القاعدة)'.
لم أكن أتصوّر أن تصدر عن الإعلاميين العرب بالمهجر مثل تلك الافتتاحية إلى جانب روائع بعضٍ من أعمدة الإعلام العربي المعاصر، لذلك تبادر إلى ذهني حجم الضّرر الذي تُحدثه في الوعي الجماعي العربي بعضُ الخطوط التحريرية 'المائلة' مَيَلاناً غريباً، كما تساءلت عن سُبُل تمييز القارئ العربي بين الصالح والطالح من الخطوط التحريرية لوسائل الإعلام العربية المختلفة، في ظروف تعثر الديمقراطية وحرية التعبير وفي ظل غياب وسائلَ إحصائيةٍ تُمكِّن من إبراز الأكثرِ جدّية ومصداقية وتتبُّعا. كان ذلك قبل أن يبشّرنا السيد عبد الباري عطوان بدخول مؤسسة 'غوغل' على الخطّ كمؤسسة علمية وتكنولوجية متخصّصة، أقصد دخولها على خطّ الإعلام العربي، لتبوؤ كلّ مؤسسة إعلامية مكانتها اللائقة بها، وتتوّج الإعلام العربي الرصين في شخص 'القدس العربي' التي علمنا جميعا أنّ موقعها لوحده يستقطب ثمانية ملايين قارئ شهريا، أي ما يعادل المائة مليون سنويا، وهو رقم مذهل إذا علمنا أنّ مجموع مستعملي الإنترنت العرب لا يتجاوز الأربعين مليونا. لن أكتب عن مثل تلك الافتتاحيات بعد الآن، فقد صار بإمكاني بقليل من كبسات أزرار أن أتأكد من أنها لم تُلحق ضررا يستدعي الإصلاح، وأنها بقيت كما يجدر لها أن تبقى، مُجرّد صيحات في واد يُقارب عددُ رُوادِه الصّفْر.

عبد اللطيف البوزيدي - كاتب من المغرب - القدس العربي اللندنية