10/06/2010 |
مرة أخرى نعى 'رأي القدس' ليوم الجمعة 04-06-2010 النظامَ العربي الرسمي بعد الاطلاع على هزالة ما توصل إليه وزراء الخارجية في اجتماعهم في إطار الجامعة العربية والذي كان مخصصا لتدارس الهجوم الإسرائيلي الدامي على أسطول الحرية، فهزالة الموقف العربي كانت فعلا بمثابة عَرَضٍ آخَرَ من أعْراض الموت السريري للعمل العربي المشترك. وبذلك وجب النعي في كل مرة يتم فيها إخراج رفاة الجامعة لتمثيل دور 'صنم الوحدة' الذي لم يعد يمجِّده أحدٌ. لقد ذكّرَني 'رأي القدس' بالجامعة العربية وكأنه يذكّرني بعزيز دفنَّاه، أَوَمَا زالتِ الجامعةُ العربية حيَّةً؟ أما زالت عَرَبَتُها تُدَخِّن وهي المُنْقلِبَةُ على قارعة طريق الوحدة؟ كان سقف انتظارات مؤسّسيها عاليا وتوهّموا وأوهموا الشعوب العربية أن الجامعة مدخل إلى الوحدة السياسية العربية، دون أن يحسبوا حساب التيارات المتغربنة والمتصهينة أو على الأقل حساب النزعة القُطْريةِ المتجذِّرة التي لم تُلْغِها الوصاية العثمانية وأسهَمَ في تكريسِها الاستعمار الأوروبي، فقد أُفْرِغَت الجامعة من مضمونها الوحدوي منذ التأسيس لأنها لم تُمنح أبدا السلطات أو الأدوات القانونية الكفيلة بضمان وحدة القرار العربي وإلْزاميته لكافة الأعضاء، وبقيت على مدى عقود تلعب دور جمعية للعلاقات العامة أو في أحسن الأحوال دور مجلس تشاور يتم فيه تجاذب أطراف الحديث حول كل شيء دون الالتزام بشيء، أو لِنَقُلْ إنّ الجامعة أصبحت تكتفي بدور 'المكتب الإعلامي العربي' لتتحول في المحصّلة إلى 'دِرْع سياسي وإعلامي جماعي واقٍ' يُجَنِّب أنظمةَ الدولِ الأعضاء تحمُّلَ المسؤولية أو التبعات فردياً. ففي موضوع أسطول الحرية وتبعاته ما الذي كان سيضير النظام المصري والسلطة الفلسطينية لو أنهما بادرا منذ زمن إلى التنديد بالحصار والمساهمة في فكّه وهما الأقدر على ذلك بعد إسرائيل طبعا؟ لكن النظام المصري والسلطة وجدا نفسيهما مضطرين أكثر من باقي الأنظمة العربية إلى تغيير موقفهما من النقيض إلى النقيض والاحتماء تحت عباءة الجامعة، الدرع الواقي الجماعي، ليظهر لنا السيد عمرو موسى المحدود الصلاحيات كأي كاتب عمومي، مرغما لا بطلا، وقد دُفع دفعا إلى تلاوة بيان مستنسخ مكرور ومطرّز بعبارات الإدانة والشجب والتنديد، والحق أن الرجل بذل من الجهود الشخصية الكثير دون جدوى لإعادة الروح إلى هياكل الجامعة المتكلّسة وطالب بمزيد من الصلاحيات وإلزامية القرارات، وأخذ لأجل ذلك مسافة معقولة من النظام المصري كلّفته حملات إعلامية شرسة من ذلك النظام عينه الذي سبق أن وجَّهَ ضربة قاصمة للعمل المشترك والقرار العربي الموحد، بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بشكل منفرد ودون سابق تشاور أو تنسيق. ليس هناك ما يمكن أن يُكْسب الجامعة العربية المصداقية والفعالية التي تفتقدها منذ نشأتها، أكثر من منحها الصلاحيات السياسية والاستراتيجية وكذا إحداث آليات لتفعيل إلزامية قراراتها (كإعادة تفعيل حلف الدفاع العربي المشترك مثلا)، أما أوجب واجباتها فهو في نظري السعي إلى سحب المبادرة العربية التي خفضت سقف المطالب العربية إلى أدناه وشجعت إسرائيل على العربدة بالمنطقة كما يحلو لها، مع دراسة كل الاحتمالات والبدائل الممكنة بما فيها احتمال الحرب إن لم يكن منها بُدٌّ، وإلا فلن يكون على السيد عمرو موسى إلا أن يضع المفتاح تحت السّجاد وينصرف إلى تقاعد مستحق آن أوانه. عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق