03/05/2010 |
بينما تبدو منطقة الشرق الأوسط على شفير الانفجار، واحتمالات المواجهة العسكرية بأكثر من جبهة في أقصى مستوياتها منذ فترة ما قبل حرب رمضان 73، وفيما إسرائيل منشغلة بمواصلة الاستيطان وتهويد الأرض والمقدسات والتخطيط لتنفيذ أحدث صيغ الترانسفير وطرد الفلسطينيين من وطنهم وفي نيتها دقّ آخر مسمار في نعش السلطة وربما ضم الضفة، وفيما يستعد رباعي الممانعة ويضع آخر اللمسات على جاهزيته للمواجهة، فيما كل هذا الحراك وهذه الجلبة قائمان يجد رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، صاحب السلام الاقتصادي، سلام 'البطون وأضواء النيون'، يجد الوقت وهدوء الأعصاب الكافي للتنقل في ربوع الضفة متذوقا كنافةً هنا ومْسخّناً هناك، غير آبه بما يحاك لفلسطينيي الضفة وغير مراعٍ مشاعرَ المحاصَرين المجوَّعين من الفلسطينيين بغزة الصامدة، وكأنه يُمعِن في توجيه رسائلَ إليهم مَفادُها 'أنْ مَنِ اتّبع هُداي فلا خوفٌ عليهم ولا هُم يَسْغَبون'. بينما تُعِدّ إسرائيلُ إذنْ، في فورةِ عِنادٍ أرْعَنْ، 'مْسخّنَها' المُقرِف والمُقَرْفَنْ، يحلو لصاحب شعار 'سلامُ الاقتصادْ، خيرٌ فيّاضْ' أن يبذل الجهد والنفيس للتقيّد في موسوعة غينيس، بطبق كنافة هنا وصحن مسخّن هناك و'مَدْري إيشْ' هنالك، بدل السعي كما وعد مرارا إلى التقيّد كدولة مستقلة وذات سيادة في لوائح الأمم المتحدة، وكأنه يخشى أن يسبقه إلى غينس المسخن الهندي أوالكنافة البرازيلية ! فالدكتور فياض بخطواته الشجاعة هذه كخبير 'طبخات معصلجة'، وبالإشراف شخصيا رفقة ثلة من وزرائه على كنافة نابلس ومسخن عارورة، ربما يسعى إلى 'تسخين المقاومة'(نسبة إلى المسخّن) عبر بوابة التراث، مقاومة من نوع جديد مبتكر (ولا غاندي في أيّامه)، سهلة الاستعمال وفي متناول الجميع، يمكن أن نطلق عليها 'المقاومة بالمسخّن'، وهي على فكرة مقاومة قليلةُ الخسائر والأعراض الجانبية، تخمةٌ أو إسهال لدى البعض ويتم بلوغ االمراد أي 'التشبث بالأصالة والارتباط بالأرض'.وكعادتي في جمع مظاهر التخلف العربية 'الأصيلة' كما يجمع بعضهم الطوابع البريدية، خمنت أن يكون سبب 'انتفاضة المقالي والمشاوي' هذه، إصابة السلطة الفلسطينية بعدوى يمكن تسميتها 'عدوى أكبر (تفاهة) وأول (حماقة) في العالم'. صحيح أنها عدوى أصابت العالم أجمع لكن على مستوى الأفراد والجمعيات ولم تلق الرعاية والاحتضان من أعلى السلطات كما هو الحال لدينا. من قال إنه ليس لدينا نحن العرب نفس الطبائع ونفس العقول في الكعوب من المحيط إلى الخليج ؟ ألا نتشاطر ونتبادل التجارب الفاشلة ويشد بعضنا أزر بعض في الحفاظ على المظاهر المتخلفة وصيانة الظواهر الشاذة ؟ خير مثال يمكن أن نأتي به في سياق موضوعنا هو ظاهرة تهافت الأنظمة على تحقيق 'أكبر كذا أو أول كذا'، فمن أكبر كبة في لبنان إلى أكبر مشوي في تونس إلى أكبر كسكس بالمغرب، إلى أكبر كشري وأكبر سحور وأعمق وأسمك وأذلّ سور، وأكبر 'وقفةِ أيتامٍ، تحت الأهرام' ، مرورا بأكبر كنافة وأكبر مسخّن وأطول دبكة، في استباق غريب لِوَلائِم وأفراح تحرير القدس ! ومن أول ملتقى 'لتلاقح' الأديان إلى أول مزلج في الصحراء، ليكتمل المشهد ب'مفخرة' أول عرض علنــــــي للملابــــس(أو بالأحرى الخيوط) الداخلية النسوية في العالم العربي ! لا عجب أن تكون كل هذه 'الإنجازات' العربية تافهة وسطحية ومُكْلِـــــفة ومُتَكــَلِّفة، ولا غرابة أن يدبّ الهوان إلى أوصالنا بهذا الشكل، فالتخلف لا ينتج إلا التخلف، لِما يؤدي إليه من ضعف ودونية وتزلُّف. فمن يوقف مسلسل المهازل هذا؟ يكفينا 'فخرا'، إن كان الفخر هو ما نصبو إليه من وراء مثل هذه البهرجة وهذه الشطحات، أننا أكبر أمة مقسمة في العالم، نملك أكبر احتياطيات الطاقة وأكبر الصناديق 'الأَسيادية' (ندعوها سيادية!) وأحسن موقع جغرافي في العالم، ومع ذلك لا نفرط في مراتبنا التي هي الأدنى في العالم، وبالأخص حين يتعلق الأمر بما يمكث في الأرض وينفع الناس، وليس بمجرّد الزَّبَد الذاهب جُفاءً. عن أي سبْق وعن أية ريادة نتحدث ونحن نملك أدنى معدلات التنمية وأعلى معدلات الفقر والبطالة والأمية والفساد والانحراف والجريمة في العالم؟ عبد اللطيف البوزيدي- كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق