06/07/2010 |
لكي يبث نداءه العاجل الداعم لإسرائيل، اختار السيد خوسيه ماريا أثنار، رئيس الوزراء الإسباني السابق صحيفة 'التايمز' اللندنية، الصحيفة البريطانية المحافظة، ربما ليتناسب المنبر والحال مع المقال. فصحيفة 'التايمز' من أعرق الصحف الغربية، مرّ على إنشائها ما يفوق القرنين وبنت بالأقدمية 'مصداقية مشهودة' على مقاس الرأي العام الغربي طبعا، كما أنها مافتئت تعزز مصداقيتها تلك لدى رأي عام براغماتي حدّ العنصرية و'مصلحجي' حدّ التغاضي عن التلفيق والزور، بتحيُّزها الفاضح ضد القضايا العادلة للشعوب المستضعفة، إذ كانت الصحيفة سباقة إلى إثارة العديد من القضايا الخلافية والزوابع السياسية ذات الصلة بالعرب والمسلمين على الخصوص، ليتّضح فيما بعد نقص أو زيف معلوماتها ومصادرها. أليست 'التايمز' من أعادت مؤخرا إلى الواجهة قضية تسلح حزب الله وتخزين الصواريخ بجنوب لبنان وقدمت 'أدلة' سرعان ما اتضح تهافتها على غرار أدلة كولن باول الشهيرة حول برنامج العراق الكيماوي المزعوم؟ ألم تكن 'التايمز' هي من أعلنت، زورا ربما، أن هناك اتفاقا سريا بين السعودية وإسرائيل لفتح المجال الجوي للمملكة أمام ضربة جوية لإيران؟ أليست نفس الصحيفة دائمة التشهير بالمقاومين والتنظيمات المقاومة التي تنعتها بالإرهابية بلا أدلة موضوعية سوى ادعاءات الصهاينة ومَنْ وَالاهم من ساسة الغرب؟ لهذه الأسباب اختار السيد أثنار صحيفة التايمز منبرا ولكن أيضا وبالخصوص لأنها تدعم إسرائيل وبلا مواربة بافتتاحياتها الواسعة الانتشار، فقد دأبت على الْتِماس الأعذار للكيان الصهيوني بعد كل جريمة نكراء يرتكبها، ولم تتوانَ عن نصرة إسرائيل حتى عندما استعملت القنابل الفسفورية ضد الفلسطينيين المحاصرين العزل، معنونة إحدى افتتاحياتها: 'الفسفور الأبيض' إسرائيل أمة حريصة وقادرة على محاسبة نفسها' (وهو نفس المنطق الذي يتكرر حاليا في قضية التحقيق في الهجوم الدّامي لقراصنة الصهاينة على أسطول الحرية) وتضيف التايمز:'إسرائيل دولة ديمقراطية، وهي على خلاف عدد من جاراتها الدول العربية، تملك الإرادة لمحاسبة نفسها'(عن القدس العربي عدد6424 ليوم03/02/2010) علما أن 'التايمز' كانت سباقة إلى كشف ماهية تلك القنابل المحرّمة دوليا وفي نيتها آنذاك بلا شك إبراز 'عدم سريان القانون الدولي على إسرائيل' وبالتالي تعزيز هيبتها والحد من تآكل قدرتها على 'الرّدع'. كما لم تقصّر التايمز في نصرة إسرائيل عندما أهانت الولايات المتحدة برفض إيقاف الاستيطان في القدس، وكتبت في هذا الصدد:' لا ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تنسى أنّ إسرائيل تمثّل أهمية استراتيجية كبيرة...وهي شريك صعب بالتأكيد لكنّه جاد وجدير بالثقة'. أعتبر شخصيا أن السيد أثنار، كداعم متفان ولا مشروط للكيان الصهيوني، قد أجاد اختيار 'التايمز' منبرا لمقالٍ أرادَه مُدَوِّيا، ربّما ليعيد إلى اسمه بريقه على الساحة الدولية فيرفع أسهمه (وأسعاره) في بورصة المحاضرات والاستشارات السياسية، لعله يحظى مثل نظيره البريطاني 'بلير' بصداقة عائلة حاكم تملك بلدا وشعبا كما يملك هو يَخْتاً وخدَماً. لكنّ أثنار أخطأ التقدير ولم يكن مقاله كما تَوَقَّعَهُ، فالدّعوات إلى دعم إسرائيل مثل 'الهمّ على القلب' من كثرتها ولا شك أنها ستزداد تكاثراً كما هي العادة كلّما تورّطت إسرائيل. لا جديدَ إذن في نداء أثنار، فالغرب يدعم الصهاينة بنداءات وبدونها، لكِنْ، ما الذي جعل أثنار يرى ضرورة ملحَّة في التذكير بأهمية إسرائيل الاستراتيجية بالنسبة للغرب؟ ما الذي يدفع سياسيا كبيرا متقاعدا ولا علاقة ظاهريةً له بإسرائيل، ما الذي يدفعه إلى الدعوة إلى حمايتها واعتبارها قلعة أمامية متقدّمة من قلاع الغرب بل أهمها على الإطلاق؟ لأول وهلة، يبدو أن لديه أسبابا موضوعية وجيهة منها خشيته من أن يتحوّل الموقف الرسمي الغربي من 'تجاوزات' إسرائيل من العتاب إلى العقاب، ويتحوّل موقف شعوب الغرب من الاستياء إلى العداء، خصوصا بعد قرصنة أسطول الحرية، غير أن هناك أسبابا أخرى ذاتية محضة دفعت الرجل إلى الانبعاث مجددا من رماد مستقبله السياسي الذي أتت عليه تفجيرات مدريد في 2003 ، من بين تلك الأسباب في اعتقادي : كونه يعتبر نفسه في سلة واحدة مع الصهاينة حين يتعلق الأمر بعرب أو مسلمين، فالإسبان واليهود كلاهما تعرّضا 'لغزوهم' وما زالا تحت 'تهديدهم'، ومن ثَمّ فوجود إسرائيل ضروري لإيقاف 'حملات' المسلمين القادمين من الشرق في مهدها. كونه يعتبر أن من خططوا لتفجيرات مدريد ومن نفّذوها من المسلمين إنما كانوا يستهدفونه وحكومته بالدرجة الأولى، وهذا صحيح إلى حدّ كبير، فأثنار كان من أكبر خدّام صقور البيت الأبيض ومن أشدّ المتحمّسين للحرب الاستباقية على العراق على الرغم من معارضتها من لدن غالبية الشعب الإسباني، لذلك فهو لا يرى مانعا من أن تخوض إسرائيل ويخوض الغرب من أجلها معارك استباقية، بل إن في ندائه تحريضا صريحا على نصرتها ظالمة أو مظلومة. أليس الرجل خبير حروب استباقية، ألم يكن على وشك إشعال فتيل حرب ضد المغرب من أجل جزيرة ليلى (تورة) التي يعتبرها إسبانية وهي لا تبعد عن الشاطئ المغربي إلا بعشرات الأمتار كونه أيضا خبير قلاع أمامية متقدمة، ولا بأس بل يجب أن تكون تلك القلاع مقتطَعَةً من أرض'العدو'، بمنطق الشريط الأمني، فإسبانيا تحتفظ منذ قرون بقلاع أمامية على أرض المغرب وبمياهه الإقليمية تتمثل في مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وغيرها، لذلك فالسيد أثنار لا يجد غضاضة في دعوة الغرب إلى دعم 'قلعته' الأمامية المقتطعة من أرض العدو والمغروسة في خاصرة المنطقة العربية والإسلامية. عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي -القدس العربي اللندنية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق