17/06/2010 |
قبل الخوض في ما إذا كانت ملحمة أسطول الحرية قد شكّلت بداية منعطف تاريخي أو ضربة قاصمة لإسرائيل أو نهاية مرحلة وبداية أخرى، لنتّفق أولا ومن الآن فصاعدا أنّ تسميات الصراع الدائر منذ ما يزيد عن الستة عقود حول القدس والمقدسات وباقي فلسطين المغتصبة مثل تسمية: 'الصراع العربي-الإسرائيلي' أو 'الصراع العربي-الصهيوني'، قد أضحت تسميات بالية غير شاملة حتى لا نبالغ ونقول إنها صارت تسميات غير صالحة للأستعمال، ما دام معظم العرب قد طرحوا مسؤولياتهم التاريخية والقومية أرضا،بطرحهم مبادرتهم التي فسَّرها عدوُّهم استسلاما وإطلاقا لليد في ما تبقى من مقاومين وممانعين. فلْنُسَمِّ الصّراعَ 'الصراع الإسلامي-الصهيوني' (نسبة إلى الدول الإسلامية وليس نسبة إلى التنظيمات االإسلاموية المثيرة للجدل)، لانخراط إيران وتركيا فيه كل بطريقته وأسلوبه الخاص الذي يزاوج لديهما -على الأقل ظاهريا أو من حيث المبدأ- بين مصلحة الأمة والمصلحة القُطرية البحتة، وقد لا نبالغ بتسميتنا الصّراع ولو مُبكّرا: 'الصراعَ الإنسانيَ-الصهيونيَ' نظرا للأنخراط الكثيف للشعوب والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني عبر العالم في دعم الطرف الفلسطيني بكل أطيافه خصوصا منذ فرض الحصار على غزة والحرب الفسفورية الجائرة عليها. فهل جاءت 'ملحمة الحرية'، رغم ما كلّفته من أرواح توّاقة إلى نصرة الحق وإحقاقه ولو كان ثمنه الشهادة، جاءت لتعلن - بشكل متعمد ربما من الطرفين التركي والإسرائيلي فيما يشبه التحدي التركي وقبول التحدي إسرائيليا- بداية مرحلة جديدة من الصراع بالمنطقة، تتخذ من المجال الحقوقي والمدني المتنامي المكانة والنفوذ مسرحا لها، وتجعل من أدواتها فرضَ إِعْمالِ القانونِ الدولي وضغطَ المجتمعات المدنية على الحكومات؟ وهل تنخرط الأنظمة العربية في المواجهة الحقوقية المدنية والإنسانية التي ستشعل فتيلها بلا شكٍّ ملحمةُ أسطول الحرية، أم أنها ستفوت الفرصة (كما فوّتتها غداة تقرير غولدستون الأشدِّ وقْعا وإِدانة لإسرائيل) لمجرد منع 'تعاظم' الدور التركي بالمنطقة عبر نصر سياسي وحقوقي على الأقل، في وقت ما زال بعضٌ من تلك الأنظمة يبحث فيه عن مخرج لتعاظم الدور الإيراني؟ ما أشبه الصراع مع الصهيونية بمواجهةٍ في لعبةٍ تُكْسَبُ خلالها الأشواطُ شوطاً شوطاً لكسب الجولات التي تقود إلى كسب المواجهة،مع فارق جوهري طبعا أن الصراع حول فلسطين ليس لعبة بقدر ما هو صراع وجودي مصيري، ما أشبه مراحل هذا الصراع بمراحل لعبة تُرغِمُ الشُّعوبَ والقوى الحيةَ والأطرافَ الدولية كافّةً على المتابعةِ والالتفاتِ يَمْنةً ويَسْرةً وبوتيرة تتصاعد حينا وتخفت حينا لتتبع أفعال وردود أفعال الطرفين، في صراع غير متكافئ لكنه محيِّر ومشوق لأنه عصيٌّ على الحسم من هذا الطرف أو ذاك، ولأنه صراع يستمد شرعيته الدولية واستمراريته من عدالة قضية شعب بأكمله، كما يستمد الاهتمام الدائم من غرابةِ واستحالةِ استمرارِ الظُّلمِ الذي يُلاقيه الفلسطينيون والحيفِ الذي يلحقُ قضيتَهم. وفي نفس السياق كانت'ملحمة أسطول الحرية' بمثابة نقطة ثمينة ومِفصليةً خسِرتْها إسرائيلُ ستقود في اعتقادي إلى طيّ شوط يُمَكِّنُ تركيا من كسب جولةٍ وافتتاح جولة جديدة، وربما يفيد هنا التذكير أن تركيا قد دشّنت هذه الجولة منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، في محاولة منها كسر دور الحاضر الغائب الذي طالما لعبته الأنظمة العربية حين لا تتورط علانية في التغطية أوالمشاركة أو ما يدعوه بعضها 'الشراكة في صنع السلام'، جولةٍ جديدة أعلنت عن دخول تركيا اللاعبَ الجديد إلى حلبة الصراع ولو من البوابة الحقوقية أو على مستوى تجميد العلاقات والاتفاقيات. لقد أوْقَعَت ملحمة أسطول الحرية العالم بأسره في حرج كبير، وأوقعت الجيشَ والحكومةَ الإسرائيليين معاً في فخّ 'قبول التحدي التركي والدولي' لاعتبارهما تلك الخطوةَ الجَسورةَ على رمزيتها، قبل أن تكون أسلوبا لكسر الحصار على غزة، نوعاً من كَسْرِ الإرادة ومحاولةً للحدِّ من العربدة الإسرائيلية 'المشروعة' والتي لا تحدُّها حدود، بريةً كانت أو بحريةً أو من أي نوع آخر، فإسرائيل لا تجهل أن حَمولةُ بضع سفن مهما كبُرت لم تكن لتسُدَّ الخصاصَ المهولَ في المُؤن أو لتقضي على الأزمة الغذائية والصحية التي يعانيها قطاع غزة منذ سنوات. هذا عن أهمية مبادرة 'أسطول الحرية' التي كانت بلغة الشطرنج نقلةً يستحيل منعها، أرغمت إسرائيل على خرق كل 'قوانين اللعبة من أساسها'، أما عن الدور العربي في مرحلة ما بعد 'ضرب أسطول الحرية' فهو دور لم تتبلور بعد ملامحه بقدر ما تبلورت ملامح الموقف الشعبي، إذا استثنينا فتح مصر معبر رفح والذي لا يُعلم لحد الساعة ما إذا كان بداية لفك أحادي الجانب للحصار أم تكتيكا لامتصاص أي غضب شعبي مصري قد يجعل من تغييرالنظام المحتضر أو الإطاحة به هدفا له، وإذا استثنينا أيضا سرعة مبادرة السلطة الفلسطينية إلى إدانة الهجوم على أسطول الحرية والتي يمكن أن تُعزى إلى الرغبة في التبرُّئ من تهمة مباركة الحصار المفروض على غزة من جهة واستعادة دور 'المفاوِض' الذي بدأت السلطة تفقده أكثر من رغبتها في المواجهة والعودة إلى دور 'المقاوِم'، إذا استثنينا ردتي فعل مصر والسلطة الفلسطينية الناجمتين عن اعتبارات داخلية والتي أغلب ظني أنها ظرفية وتمويهية بل يمكن القول إنها لن تكون إلاّ انحناء مؤقتا للعاصفة التي أثارتها ملحمة أسطول الحرية والتي كانت بحق من النوع الذي لا يمكن أن يمر دون إثارة زوابع، ما عدا هذين الموقفين الدفاعيين، لا أعتقد أن ردود الدول العربية الجماعية أو الفردية يمكن أن تتعدى المألوف من مجرد الشجب والتنديد والإدانة، وفي أقصى الحالات اللجوء إلى مجلس الأمن الذي يعلمون أن إسرائيل ترفض قراراته منذ عقود بلا تبعات تذكر. لكن بالمقابل، وحتى لا نستبق الأحداث باستنتاجات مبكرة أو سابقة لأوانها، ولكي نبقى في مرحلة طرح تساؤلات مشروعة نابعة من فرضيات منطقية، يجدر في اعتقادي أن نتساءل عن أقصى ما يمكن أن يجنيه الفلسطينيون وقضيتُهم من دخول تركيا على خط الصراع مع الصهيونية العالمية، فما الذي يمكن أن يتمخّض عن كل هذا الحراك التركي الذي سبق وأعقب الهجوم الإسرائيلي الدامي على أسطول الحرية، من تصريحات نارية مباشرة واجتماع لرئيس الوزراء السيد أردوغان مع وزير دفاعه والقائد الثاني للجيش التركي وكذا اجتماع مجلس الأمن القومي التركي الذي تدارس الوضع استثنائيا من بين ما تدارسه، ناهيك عن إلغاء أو تجميد الاتفاقيات الاستراتيجية العسكرية لتركيا مع الكيان الصهيوني وحتى طلب اجتماع حلف النيتو ومجلس الأمن الدولي؟ بعبارة أخرى ما الذي سيجنيه الفلسطينيون غير التباعد 'المحمود على كلّ حال' بين تركيا وإسرائيل وعودة العلاقات بينهما إلى نقطة الصفر؟ وهل يمكن أن يتمخض عن تبعات ملحمة أسطول الحرية فك الحصار على قطاع غزة حتى تصير الخطوات التركية ذات معنى وذات جدوى؟ وأخيرا وليس آخرا، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة وأوروبا في احتواء'الغضبة التركية' بعدما فشلتا إلى جانب العرب في منع استمرار الاستيطان والعربدة الإسرائيلية؟ عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية |
Lucky Club Casino Site | New Customer Offer | Lucky Club Online
ردحذفLucky luckyclub.live Club Casino Review - Play online casino with a new player bonus and a 100% up to €150 bonus on your first deposit.