الأحد، 1 أغسطس 2010

المعارضة المصرية.. من التشهير والتلفيق إلى الاتهام بالعمالة 14/07/2010
أن يضعف نظام سياسي أمام معارضيه أمر طبيعي يحدث في كل دول العالم، وقد تكون قَوّة المعارضةِ سياسيا وشعبيا محمودة إذا كانت تخدم مصلحة البلد وتأتي بمن هم أفضل إلى سُدّة الحكم ليقع تداول السلطة ويُقدّم الخلفُ بدائلَ لما استعصى على السلف. أما أن يضعف نظام سياسي ومعارضوه على السواء كما هو الحال في مصر، فهذا ما لا يمكن اعتباره طبيعيا ولا محمودا، لأنه بكل بساطة انتحار جماعي للبلد وأقصر طريق يمكن أن تسلكه دولة ما إلى قائمة الدول الفاشلة. لماذا إذن يصرّ النظام المصري المتهالك على مزيد من إضعاف المعارضة؟ وهل يعي، في ظل ضعفه وعزلته الإقليمية وعدم وضوح آليات انتقال السلطة، خطورة إفراغ العمل السياسي من محتواه وجدواه، على استقرار مصر ووحدتها وأمنها القومي؟ لقد دأب النظام المصري منذ انقلاب حركة الضباط على الملكية، على نهج أسلوب إضعاف المعارضة، فبدأت الأحزاب المصرية تضعف تدريجيا إلى أن صارت على شفا الانقراض، وقد حلّ اليوم دور الحركات الاحتجاجية الشعبية التي صارت تُحارَب بطرق ملتوية (التشهير،التلفيق، الاتهام بالعمالة لأطراف خارجية...) عوض الانكباب على دراسة مطالبها بجدّية كما يُفترَض. ومع أن النظام الرئاسي المصري هو نتاج المؤسسة العسكرية، فقد عمِل الرؤساء المتعاقبون على التحرر من قبضة الجيش وإبقائه تحت السيطرة وتحجيم أدوار رفاق السلاح القدامى وحمَلة السلاح الجدد، في مقابل إرساء نظام رئاسي مطلق يرتكز على شخص الرئيس ويمكّنه من معظم السلطات بما فيها تعيين نسبة من أعضاء مجلس الشعب. ورغم محاولة التغطية على شمولية النظام بتأسيس الحزب الوطني، لم ينجح ذلك إلا في جعل النظام أقرب ما يكون إلى نظام الحزب الواحد، الذي يكتسح الساحة السياسية بوسائل مشبوهة غالبا، في ظل ضعف باقي الأحزاب وغياب دورها الفاعل. وكأن 'شِبهَ نظامِ الحزب الواحد' لا يكفي فقد تم العبث بالدستور، لتحويل التنافس على الرئاسة إلى استفتاء بمرشح وحيد هو طبعا مرشح الحزب الوطني. لم يُفِد مصر في شيء تحوُّلُها إلى جمهورية، إذ ما لبثت أن عادت أدراجَها (بخفي حنين) إلى ما يشبه أردأ وأسوأ أنواع المَلَكِيات، 'ملكيةٍ' شمولية وغير دستورية، يتم فيها توارُث الحُكم ماجداً عن ماجد وولَداً عن والد. ولأن السياسة كالطبيعة لا تقبل الفراغ، وخصوصا الفراغ الحزبي فقد تضافرت عوامل عدة منها ضعف النظام خارجيا وإضعافُه أحزابَ المعارضةَ داخليا ومنعُه حركة ذاتَ وزن كالإخوان المسلمين من تأسيس حزب... عواملُ أدّت مجتمعةً إلى بروز حركات مدنية وحقوقية نشيطة على الساحة، وإعلان شخصيات مرموقة نِيَتَها الترشح للرئاسة، مثل السيدين عمرو موسى والبرادعي مع اشتراط هذا الأخير تغيير الدستور، ودخوله في مواجهة حقوقية ومدنية مباشرة مع النظام المصري، الذي عمد إلى تعبئة كافة وسائله السياسية والقانونية والأمنية والإعلامية، لعرقلة نشاط تلك الحركات وتلك الشخصيات. لا أدري ما دوافع الخرجات الإعلامية للعديد من الفنانين الأكثر 'شعبوِيّة' في مصر، لا أدري إن كانت تلك الخرجات وسيلة من وسائل النظام لنزع الشرعية عن المعارضة والحد من تنامي شعبيتها، على اعتبار أن البسطاء المُفقّرين المُجهّلين وهم أغلبية الشعب يصغون أكثر إلى 'المشاهير' المنحدرين من طبقاتهم المسحوقة، أم أنها مبادرات فردية وشخصية من 'النجوم' الأكثرِ استفادةً من بقاء الوضع على حاله في مصر، لكن المؤكَّد أنها خرجات إعلامية تستهدف المعارضة وتذود بشراسة عن النظام ومنجزاته، فبعد المغني الشعبي شعبان عبد الرحيم الشهير بشعبولا، الذي شنّف سمع السيد البرادعي بانتقادات هي مجرد عتاب ساذج على 'مزاحمة' الرئيس (القدس العربي عدد6481 في10/04/2010)، ونصحه بأن 'يربط الحمار مطرح ما يقول صاحبه'، جاء دور 'زعيم' الكوميديا المصرية ('القدس العربي' عدد6544 في23/06/2010 ) الذي أبى هو الآخر إلا أن يُسمِع البرادعي 'كِلْمِتيِن' في جريدة مصرية، 'كلمتين'، هما في الأصل، موجهتين لعوامّ المصريين ولا أدلَّ على ذلك من أن السيد عادل إمام، وهو يعلم كما يعلم الجميع أن الرئيس أعجز من أن يباشر حتى مهام الولاية الحالية كما يجب، أعلن على طريقة 'الناخبين الكبار' في الديمقراطيات الغربية، نيته التصويت للرئيس إن ترشح لولاية خامسة أو سابعة أو عاشرة، لم يعد أحد يهتمّ بالعدّ، فالرجل قبع بالمنصب أكثر من اللازم بكثير.
قال عادل إمام مبديا رأيه في محمد البرادعي :'ليس كل عالم يصلح أن يكون رئيسا للجمهورية، ثم ما لبث أن تناقض مع نفسه بتأكيده أن جمال مبارك يصلح للمنصب لأنه درس الاقتصاد بالخارج وليس 'بتاع بطاطا'، وتناسى السيد عادل أنّ البرادعي أيضا درس بالخارج وهو أيضا ليس 'بتاع بطاطا' وإنما 'بتاع نووي وسياسة دولية' وبالتالي فهو الأقدر على علاج ضمور حجم مصر وتقزُّمِ دورها على الساحتين الإقليمية والدولية. لا أعلم بالضبط ما مناسبة هذه الخرجة الإعلامية والتعليقات السياسية التي حرص على الإدلاء بها 'زعيم الكوميديا العربية'، لكن الرجل بدا وكأن له ثأرا قديما مع السيد البرادعي، فقد أغضبه أن يُشَبّه البرادعي بغاندي أو مارتن لوثر من دون أن يعلم أحد ما علاقته هو بالموضوع، ثمّ ما المانع من أن يوصف البرادعي بغاندي أو مارتن لوثر ما دام مثلهما يقود معارضة سلمية للنظام؟ فعلى حدّ علمي المتواضع لم يكن أي من الرجلين قدّيسا أو نبيّا حتى يَحْرُم على البرادعي التّشبُّه بهما، فهو مثلُهما مواطن مثقّف وقف على ضعف وفساد نظام بلاده ومعاناة مواطنيه مع الظلم والتعسّف والاختطاف والتعذيب، وعاين تدهور أحوال بلده بالفقر والبطالة واختلال توزيع السلطة والثروات، مع فارق أن حالة مصر البرادعي أكثر صدما وإيلاما من حالتي هندِ غاندي وأمريكا مارتن لوثر، لأن مصر لا تعاني من احتلال كما كانت الهند في عهد غاندي ولا من ميز عنصري كما كانت أمريكا يوم انبرى مارتن لوثر زعيما للسود قبل تصفيته، وإنما تعاني مصر من نوع من 'القرصنة السياسية' قل نظيره في العالم، من لدن فئة قليلة استحكم نفوذها بفضل فرية قانون الطوارئ الأزلي فأطبقت السيطرة وخنقت الحريات بتحالف السلطة ورأس المال اللاشرعيين، وبدعم الغرب نظير خدمات وتنازلات. خاض 'الزعيم' في الهزل خلال مشواره المهني الطويل بأسلوب لا يخلو من الرسائل السياسية كتهويل خطر 'الإرهاب' الإسلامي (الإرهاب والكباب والإرهابي نموذجا) وتبخيس خطر إسرائيل (السفارة في العمارة)، وهاهو ذا اليوم يخوض في السياسة بأسلوب هزلي مضحك وإن حاول جاهدا أن يضفي عليه صبغة الجدية، وبذلك ارتقى بفنه من إضحاك العوام بالكلام البذيء وأدوار الأحول والأبله و'الصعيدي' إلى إضحاك وتسلية السياسيين والمثقفين بتصريحاته السياسية-الهزلية، فهو مثلا يحيي ويدعم مقاومة تبعد عن مصر مئات الأميال هي مقاومة حزب الله مع أن النظام اتهمها بتكوين خلية 'إرهابية' بمصر، ولو أخبره بذلك 'أولاد الحلال اللي بيقرو جرايد' لما خاطر بلسانه في مدح حزب الله، بينما يذم مقاومة أخرى على بعد أمتار من مصر هي مقاومة حماس ويرى فيها خطرا أكيدا على 'أمن مصر القومي' ومدعاة إلى إقامة جدار مهين أيّده علنا وبأعلى صوته مثلما فعل باقي أزلام النظام اللامشروطين! استمر مسلسل تناقضات عادل إمام المسلّية التي قلما يصادف المرء ذلك الكم الهائل منها مجتمعا في تعليق 'سياسي' واحد، فبينما يعترف أن هناك دولا عربية لا توفر حتى المعيشة لسكانها وعلى رأسها مصر طبعا، لا يدخر جهدا في الدفاع بشراسة عن استمرارية النظام وبقاء الريس في السلطة، وعوض أن يعتب على الريس ونظامه المتهالك، صب جامّ غضبه على الدول العربية الميسورة، من دون أن ينتقي كلامه كما نصح بذلك البرادعي، فبالنسبة إليه ربما كان على الدول التي 'لا تجد من يسكن في الأبراج التي شيّدتها' أن تفتحها لملايين المصريين المفقرين الذين يقطنون عشوائيات صارت وصمة عار على جبين النظام، حتى يتكرّم سيادته بقبول وتشريف العروبة، وإلا فلا وجود لما يسمى 'القومية العربية'.
إن أمثال هؤلاء النجوم 'الشعبويين'، وإن كان منهم من اشتهر حتى الثّمالة ومن اغتـــــنى حدّ التّخـــمة فصار يهدي القلائد الماسية المليونية، ليسوا في المحصلة سوى نماذج من الشخصية العربية العامية ما داموا لم يحظوا على غرار ثلثي العرب بحقهم في تعليم كمي وكيفي يكفل لهم الحدّ الأدنى من الاستقلالية الفكرية اللازمة لممارسة المواطَنة حقوقا وواجبات، تجدهم في كل مكان بحيث يشكّلون طبقة طفيلية عريضة تنمو كلّما ازداد النظام فسادا، طبقة يجند أعضاؤها بعضهم البعض لضمان 'خدمات' سرية وآمنة للأنظمة الفاسدة، فينتشرون كالنار في الهشيم بدواوين الوزارات ودواليب الإدارات ويأتون على الأخضر واليابس في جميع المجالات الإدارية والــــعلمية والإعلامية والرياضية والفــــنية، بغيرما حاجة لكفاءة أو مؤهــــلات سوى انعــــدام الهِمَّة وفساد الذمَّة. وإذا ما تفاقم ضعف النظام وعجـــزه وأحسّ بخطر يتهدده ولو كان مجرد مطالبة بالنزاهة والشفافية أو التداول الديمقراطي للسلطة، أومأ إلى خدّامه هؤلاء للذود عنه بمدح فضائله وذمّ خصومه.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق