الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

أحدث مقال صدر للكاتب بصحيفة القدس العربي اللندنية

كلام عن مرتزقة الإفتاء السياسوي ومروجي طروحات الاستئصال
عبد اللطيف البوزيدي
18/08/2010
في المجال السياسي وبالذات في شقّيه الحقوقي والتشريعي، بيت الداء العربي المزمن، يتساءل المرء لماذا لا نملك متخصصين بما يقتضيه التخصص من وعي وعزم وهمة، وانتماء إلى حظيرة علمية، وانخراط ونزاهة وصلاح ذمة؟ لماذا نفتقر إلى متخصصين في العلوم السياسية والدراسات الاجتماعية والقانونية والتشريعية، قادرين على تكوين مجتمعات علمية ذات قيمة ومكانة يستطيعون من خلالها تصور وفرض وإنجاح المشاريع العلمية والثقافية والحضارية، لقيادة المجتمعات العربية إلى نهضة تأخرت كثيرا ولا مؤشر على قيامها في القريب المنظور؟ مع أن بإمكان هؤلاء العلماء والمتخصصين، متى سمح لهم بالوجود والبروز ومنحت لهم حرية وإمكانات التطور، والارتقاء بتصور وصياغة وقيادة المشاريع الإنمائية والحضارية، بإمكانهم أن يُخرِجوا الدول العربية من حالات الانهيار أو الركود السياسي والفوضى التشريعية والدستورية، وأن يدفعوا كمجتمع علمي قوي ومتماسك إن وُجِد، في اتجاه إصلاح الأنظمة القائمة، بعد إصلاح المنظومة العلمية واستعادة مكانة العلم والعلماء طبعا.
ولنا مثال صارخ بالمجال السياسي الإعلامي في تكاثر 'المتخصصين' في شؤون الحركات الإسلامية، بحيث صار عددهم يفوق بأَضعافٍ أعداد الفضائيات المتخصصة أو المتجنية بدورها على التخصص، فما كدنا نستفيق من الذهول الذي سببته لنا افتتاحية إحدى صحف المهجر حول مسؤولية تنظيم القاعدة جملة وتفصيلا عن كل ما يجري بالعراق و'التبييض' المفضوح الذي قامت به تلك الافتتاحية ومثيلاتها لذمة الاحتلال الأمريكي الغربي والمتعاونين معه وكذلك ذمة دول الجوار (انظر مقالا للكاتب في الموضوع في القدس العربي عدد 6498 في 30/04/2010)، حتى فاجأنا متخصص آخر في شؤون الحركات الإسلامية بالذات، مغربي هذه المرة، مع كامل تحفظي على مصطلح 'التخصص' غير الميداني الذي كثيرا ما تصف به بعض المنابر الإعلامية متحدثيها ومدعويها، وكأن التخصص في شؤون تلك الجماعات هو آخر ما ينقصنا من تخصصات لنتقدم ونتطور ونبلغ مصاف الدول والشعوب الأرقى، أو كأنه تخصص حقيقي ونافع ومستوف لشروط التخصص، بينما هو لا يعدو أن يكون تخصصا عن بعد، وليس من رآى كمن سمع وقد قيل قديما 'شرّ البليّة تمَشْيُخُ الصُّحُفِيّة' أي ادّعاء التخصّص من لدن من اقتصر اطلاعه على الكتب ولم يخبر الميدان وتفاصيل وأبعاد المشكل وتعقيداته، فاجأنا ذلك الباحث بدرجة وثوقيته في استعمال مصطلحات بعينها ما زالت مثار جدل جهوي ودولي كمصطلح 'الحركات المتطرفة'، الذي أطلقه على عموم الحركات االإسلامية من دون تمييز بين المقاومة منها أو السرية أو المحظورة أو المنخرطة في العمل السياسي بشكل رسمي، ومصطلح الإرهاب الذي وصم به في تعميم غريب كل الحركات الإسلامية، وطفق يستعمل مصطلح 'الحركات المتطرفة' على طول مقاله المتمحور حول استعمال المتطرفين شبكة الإنترنت، قاصدا بالمتطرفين 'كل المجموعات المصنفة إرهابية من لدن الولايات المتحدة الأمريكية'، كل هذه التسميات المجانبة للواقع كان بإمكانه تفاديها لو اكتسب موضوعية المتخصص فعلا، فالمصطلحات 'على قفا مين يشيل' وهناك مثلا مصطلحات أكثر موضوعية للتمييز بين الحركات وتفادي التعميم المتحامل، كمصطلحات: الحركات المتمردة والحركات السرية وحتى الحركات المعارضة أو الحركات المقاومة، وقد أتى هذا الاستعمال غير السليم للمصطلحات رغم تأكيد الباحث في بداية مقاله 'هلامية عبارة التطرف ذاتها وعبارة الإرهاب أيضا'، ولم يستثن حركات إسلامية كحركة المقاومة الإسلامية حماس وحزب الله والحركات المحظورة كحركة الإخوان المسلمين وجبهة الإنقاذ والعدل والإحسان وغيرها، كما استعمل الباحث عبارات أخرى قصد بها التعميم على كل الحركات، عبارات مثل 'التنسيق للعمل الإرهابي' و'أطروحة الجهاد والعنف هو السبيل الأنجع لبلوغ الأهداف وإدراك الشهادة' إذ نلاحظ ربط الجهاد بالعنف في حشو واضح ما دام الجهاد قتالا وينبغي أن يكون عنيفا، كما نلاحظ تبخيس المقاومة والحط من مكانة الجهاد، من واجبٍ وفريضة إلى مجرّد أطروحة.
يعود الأمر هنا مرة أخرى إذا استثنينا ليَّ عنق الحقائق خدمة للقبضة الأمنية وعلى هوى الأنظمة، يعود الأمر في تفشي فوضى 'الإفتاء السياسي والأمني' إلى انعدام التخصص العلمي، الفعلي والموضوعي والمؤطَّر في مجتمعات علمية محلّية ومراكزِ بحثٍ ودراسات، ليس لأننا لا نستطيع، فلدينا نحن العربَ ما يقارب المئتي جامعةٍ ومعهدٍ وما يفوق الألف مركز دراسات وبحث علمي، بل لأن أنظمتنا بطبيعتها لا تريد تفعيل تلك المؤسسات ولا تملك مقومات إرساء وإدارة مشاريع سياسية وحضارية على أسس علمية حقيقية، فهي أنظمة 'هلوعة'، من العلم والعلماء والمنورين 'جزوعة'، يشكِّل الهاجسُ الأمني لديها أولويةَ الأولوياتِ، لأنها في معظمها لا تخرج في نظري عن أصناف ثلاثة: 1. أنظمة انهارت ولم تقم لنظامٍ بعدها قائمة في البلد، ولم يَخلُفها إلا التشرذم والانفصال كما في الصومال، أو الطائفية والشقاق كما في العراق. 2. أنظمة عسكرية أو منصّبة من العسكر، لم تقم أبدا كأنظمة مدنية شرعية، تجعل من سلطة الرئاسة المهيمنة على باقي السلطات، ستارا للوبيات سياسية أو طائفية أو لوبيات مصالح اقتصادية ومالية تتخذ النظام برمته مطيّة ونوعاً من حصانِ طروادة لتعطيل أي مخاض سياسي أو حقوقي أو تشريعي أو علمي وفكري حقيقي، يُنذر بانقلاب في الرؤى والتصورات، ويعجل بتغييرٍ لا ترغب فيه تلك الأنظمة وهي التي تثلث وتربّع وتُؤبّد الولايات الرئاسية وتُنصِّب وتورِّث بالذات لتتفادى ذلك التغيير 'البعبع'. 3. أنظمة ريع ورعايا، بدّدت وما زالت ثروات شعوبها المكدّسة بصناديقَ تُنسَب إلى السّيادة والأصحُّ نِسبتها إلى التسيُّد والأسياد، أسياد القرار والمال والمصير والمآل، أنظمة أفضَت ببلدانها إلى سوء توزيع الثروة وتبديدها واختلال التوازن السكاني وخلخلة التركيبة الطائفية، ناهيك عن مشاكل 'البدون' جنسية، ومعضلة ارتهان سياساتها وقراراتها للوجود الأجنبي بقواعد عسكرية أزلية.
كان هذا تصنيفا شخصيا للأنظمة العربية اعتمادا على خصائصها ونواقصها المشتركة، ولمن يرغب في تصنيف أكثرَ تخصُّصاً أن يعود إلى التقرير السنوي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان الصادر مؤخرا (انظر ملخصا عنه بالقدس العربي ليوم 28/07/2010)، تقرير صنف الدول العربية إلى دول تعاني على مستوى تقرير المصير كالعراق وفلسطين، وأخرى تعاني على مستوى السلم الأهلي ووحدة التراب الوطني كالسودان والصومال واليمن، ودول كثيرة أخرى متعثرة على مستوى الإصلاح والانتقال الديمقراطي وعلى مستوى 'خيارات التنمية والسياسات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي العربي بين أزمتين عالميتين، عصفت أولاهما بنصف أموال الصناديق السيادية العربية، وتتجمع نذر أخراهما في آفاق الاقتصاد العالمي'.
هي إذن صورة قاتمة ترسمها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي الرابع والعشرين، صورة تفسر إلى حد بعيد هزالة التخصص العلمي وقلة الاهتمام بالبحث والباحثين والدراسات والدارسين من قِبل الأنظمة العربية.
وعودة إلى أسباب تهميش التخصص والبحث العلمي وتحجيم مكانة وأدوار العلماء والباحثين والمتخصصين، كنت قد خمنت أن أسباب ضعف المستوى في هذه المجالات يمكن أن تتراوح بين ندرة التخصصات العلمية وكذلك نفور الطلبة والأسر العربية عموما من التخصص في مجالات اقترنت في المخيال الجمعي بالاختطافات والزنازن والتعذيب والجريمة السياسية وكل المآسي التي كانت وما زالت تنجم عن الخوض في المجالات السياسية أو الحقوقية أو التشريعية بالمنطقة العربية، إضافة إلى تعطيل أو منعِ الأنظمةِ البحثَ في مجالاتٍ تعتبرها مجلبة لوعيٍ 'شقيٍّ' لا يخدم البتةَ مصالح المستبدين بالسلطة والمتمسكين بها.
غير أن تخميناتي لم تكن دقيقة ولا شاملة دقة وشمولية الأسباب التي ساقها البروفيسور المصري الأصل رشدي راشد الذي يشغل منصب مدير الدراسات بالمركز القومي الفرنسي للبحث العلمي، والحائز أشهر الجوائز والميداليات العلمية بالدول المتقدمة، والذي استضافته قناة الجزيرة في برنامج 'بلا حدود' لأحمد منصور.
يُجمِل البروفيسور راشد 'العوائق التي تقف في وجه العلماء والباحثين العرب في العوائق الايديولوجية التي تضعها الأنظمة في طريقهم، والتدهور المقصود لوضعهم الاجتماعي وأحوالهم المادية والتقليص المتعمد لإمكانات تمويل دراساتهم وأبحاثهم، ومعاملتهم كرعايا لا كمواطنين، وغياب مشروع حضاري نهضوي، وانعدام سياسة علمية، وعدم تبلور مجتمع علمي قوي ومتماسك، والأهم من هذا وذاك حسب البروفيسور راشد عدم اعتماد اللغة العربية في تدريس العلوم وفي الدراسات الجامعية، إذ لاحظ محقّا أن دولا كاليابان والصين وألمانيا وغيرها لم تكن لِتنهَضَ لولا استعمالها اللغة الوطنية إلا فيما ندر أو فيما تعذر.
فهل من مُصغٍ إلى أمثال هؤلاء المتخصصين 'بصح وصحيح'؟ أم أننا سنكتفي بالتحليلات الهامشية والدعائية لمرتزقة الإفتاء السياسوي ومروجي طروحات الاستئصال، المتخفين وراء مزاعم محاربة الإرهاب؟
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية برئاسة تحرير عبد الباري عطوان.

السبت، 14 أغسطس 2010


زقزوق على خطى السادات وماهر!
14/08/2010
أثار إعلان حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري عن عزمه زيارة القدس المحتل، ردودَ فعلٍ دينية وسياسية غاضبة، واتضح مجدّدا التباين الكبير الحاصل في الآراء والتوجّهات والاجتهادات بين علماء المسلمين، وبالضبط بين العلماء المستقلين المحايدين وعلماء السلطة وأجرائها من محترفي السياسة، بما تعنيه من تهميش وتبخيس لدور الأخلاق والأعراف والقيم في قيادة الأمم والشعوب، عكس ما تقتضيه أدوارهم كعلماء دين يفترض فيهم القيام بواجبهم التوجيهي الذي يسعى إلى تطويع المواقف والقرارات السياسية لتنسجم مع المقتضيات الشرعية والأخلاقية وتوافق منظومة القيم وليس العكس. يقول السيد زقزوق مغرّدا خارج السّرب، في ما يشبه نوعا من فورة 'عِزّة بالإثم': 'أتحدى المزايدين وأصحاب الشعارات أن يناقشوني دينيا في هذا الأمر' وكأن زيارته ستخرج عن نطاق الشعارات التي يذمُّها، أو كأنه مقبل على فتح القدس وتسلم مفتاحها! أو ربما ظنّ بسذاجة غير المختصّ أنه يمسك الورقة الرابحة والتبرير الأمثل لفعلته وشبهته المجّانية التي تعتبر في حدّ ذاتها مزايدة من العيار الثقيل، فمن يزايد على من؟ أليس في إعلان السيد زقزوق زيارة القدس مزايدة على كلّ من ينتظر منه ومن غيره زيارة المحاصرين المجوّعين من نفس الشعب بغزة أو على الأقل فتح المعابر أمامهم؟
كان حريا بحمدي زقزوق ومحمود الهباش وزير أوقاف السلطة الفلسطينية، الذي هرع إلى تأييد الزيارة المشبوهة، في ما يشبه التنسيق المسبق بين الرجلين، وبالتالي بين السلطتين المتهالكتين في البلدين، كان حريا بهما أن يزورا غزة كما يفعل الأحرار من عرب وأتراك وعجم، ولكنهما لم يفعلا، ولن يفعلا، لأنهما يفضّلان طلب تأشيرة من العدو الصهيوني يعلمان أنّه يمنحها بصدر رحب إلى كلّ من يمنحه في المقابل فرصة الظهور بمظهر من يحترم الحرّيات الدينية، بل أخطر من ذلك فالرجلان يوجهان رسالة سياسية خطيرة مفادها أن الاحتلال الصهيوني للقدس لا يشكل أي مساس بحقوق المسلمين أو المسيحيين في ممارسة شعائرهم، وبالتالي فلا بأس من القبول بدولة فلسطينية مرقعة ومقزّمة مع بقاء القدس والأماكن المقدّسة تحت الوصاية الإسرائيلية.
كانت واقعة زيارة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهي في قبضة المشركين بعد صلح الحديبية، هي الورقة التي أشهرها حمدي زقزوق مزهُوّا في أوجه كبار علماء وأئمة المسلمين، الذين حرّموا زيارة القدس وهي تحت الاحتلال واستهجنوها واستعرّوا منها، أمثال الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والشيخ حامد البيتاوي رئيس رابطة علماء فلسطين والشيخ أحمد حسون مفتي سورية وغيرهم كثير. كيف يمكن أن ينطلي على أمثال هؤلاء العلماء الأفذاذ هذا النوع من القياس المختل وغير الجائز لوجود الفارق؟ لذلك ربما لم يجادله الشيخ أحمد حسون كثيرا واكتفى بالقول: 'إن الزيارة تحت هذا البند مرفوضة تماما، لا تجوز بحالٍ، وأهلُ مكّة كانوا سُكانها الأصليين ولم يكونوا مغتصبين للأرض كالصهاينة، وشَتانَ ما بين الموقفين'.
وجدير بالتذكير أن مثل هذه الزيارة المشبوهة التي ينوي زقزوق القيام بها إلى القدس تحت حراب المحتلين ليست الأولى من نوعها مصريا أو عربيا، فقد سبقه إليها الرئيس السادات، المطبّع الأول الذي دفع حياته ثمنا لتلك الزيارة على ما يبدو، وكذلك وزير الخارجية المصري أحمد ماهر الذي انهالت عليه 'شباشب' المقدسيين يوم صلى بالأقصى، وبالكاد نجا بجلده تحت حماية قوات أمن الاحتلال، وتوالت زيارات المطبّعين من سياسيين وإعلاميين ورياضيين وفنانين وحتى مدرّسين ولم يجنوا سوى الخزي والعار، ولم ينجحوا أبدا في تجميل وجه الصهيونية القبيح كما اعتقدوا، لذلك فزيارة زقزوق أو غيره من المهرولين ولو كانوا بالملايين لن تُغيّر من واقع أن القدس محتلّة وأن في زيارتها في كنف المحتل ذلّة ومهانةٌ ورضاً بواقعِ عُسف وغصب وتسويغ له، ما لم يكن المتوجّه صوبها يقصد محاربة المحتلّين. لا أريد هنا أن أكتفي بتحليل ملابسات هذه الزيارة المشبوهة أو النظر في جوازها من عدمه، بقدر ما أتوخى وضعها في سياقها العام أي سياق أحداث الشرق الأوسط والصراع مع الصهيونية ومناصريها والمطبعين معها، إذ يجدر أن نتساءل عن الهدف من الإصرار على تلك الزيارة التي يعلم زقزوق ونظامه مسبقا أنها مرفوضة شرعيا وشعبيا، فلا بدّ أن يكون هناك سبب وجيه يستحق أن يغامر من أجله نظام هش ومتهالك، السبب هو في اعتقادي مرتبط أصلا بمنع انهيار النظام عن طريق تقديم أكبر قدر من الخدمات لأمريكا ومرعيتها إسرائيل أملا في مساعدتهما وفي انخراط مخابراتهما إيجابيا في تيسير عملية نقل السلطة بمصر، أو على الأقلّ عدم استغلالها لزرع البلبلة تمهيدا لتقسيم مصر لا قدّر الله.
زيارة زقزوق ليست إذن إلا استمرارا لمسلسل التنازلات والخدمات المصرية لأمريكا وإسرائيل، والتي تكثفت بشكل غريب في الأعوام الأخيرة إلى درجة استحالة تذكّرها كلَّها، لذا أكتفي منها بذكر خدمات وتنازلات مثل بناء جدار المهانة الفولاذي لتشديد الحصار على الفلسطينيين بغزة وخنقهم ومصادرة الأموال والمساعدات الموجهة إليهم، والتحيز في الوساطة بين الفلسطينيين ثم وقفها ورفض الوساطة التركية المقترحة، وبيع الغاز بثمن بخس للصهاينة، وحماية حدودهم المصطنعة من العمال الأفارقة إلى درجة قنص المتسللين منهم كالأرانب على طريقة قنص الصهاينة لبدو سيناء والجنود المصريين... والسماح بعربدة السفن والغواصات الإسرائيلية والغربية جيئة وذهابا بقناة السويس رمز السيادة المصرية... كل هذه الخدمات والتنازلات التي تفضّلها أمريكا 'مؤلمةً' كتعبير عن الإذعان أو ما تسميه حسن النوايا، ما هي في المحصلة سوى نوع من الاستعطاف السّاذج الذي لا يأخذ بالحسبان براغماتية الأمريكان وغدر الصهاينة المجبولين على نقض العهود والمواثيق، وهو استعطاف انطلق منذ اتفاقية كامب ديفيد واشتدّ وبلغ مداه منذ أن أحسّ النظام المصري أنه صار مكشوفا وأنه قد وصل إلى نقطة اللاعودة واللارجعة في علاقته بشعبه وبالأمتين العربية والإسلامية.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - صحيفة القدس العربي اللندنية



أحمد رجب البرغوثي - أريد زيارة الاقصى وشقيقتي المريضة في القدس
أنا مواطن فلسطيني عمري42 سنة مقيم في رام الله أي على بعدمئات الامتار من القدس ولم أتمكن من دخول القدس للصلاة ولا لزيارة شقيقتي المتزوجة والمقيمة هناك والتي تعاني من المرض,رغم محاولاتي المتكررة منذعشر سنوات !! وغالبية الفلسطينيين المقيمين في الضفة وغزة يعانون ما اعانيه من عسف وقمع وتجبر الاحنلال الغاشم. انني أتوجه بالرجاء الى السيدين الهباش والزقزوق ان يوجها لي دعوة لزيارة القدس الحبيبة وزيارة شقيقتي طالم يملكان المقدرة (والمونة) على ذلك رغم أنف الاحتلال.



الأربعاء، 11 أغسطس 2010

وقود الإمبراطورية ونهاية تزييف التاريخ
عبد اللطيف البوزيدي
12/08/2010
ينبئنا التاريخ بقاعدة ثابتة مفادها أنّ الإمبراطوريات تنشأ وتتمدد وتقوى حتى إذا بلغت قوتها حدّا معينا بدأت لديها 'المراحل العكسية' من انكماش وتفكك، وذلك في ظاهرة تكررت في شتى بقاع العالم وفي كل الأزمنة، ولا مناص من أن تواصل تكرار نفسها، رغم ما قيل وما بُثَّ في الأذهان عن نهاية التاريخ التي لا تعدو أن تكون في نظري أكثر من محاولة من مفكرين أمريكيين، وعلى رأسهم فوكوياما، لإمداد الإمبراطورية الأمريكية بالوقود الايديولوجي اللازم لإطالة أمد مرحلة القوة أو بالأحرى مرحلة الاستقواء، وبالتالي تأخير مرحلة الانكماش وباقي المراحل العكسية. غير أن هناك أسئلة جوهرية حول موضوع الإمبراطوريات لا يمكن أن نجد لها إجابات جاهزة في كتب التاريخ، أسئلة لا تكفي الأحداث والوقائع التاريخية مجرّدةً، لإلقاء الضوء عليها بما يستقيم مع المنطق، ويبدّد أي غموض أو تناقض، وينزع عن الأحداث 'عجائبيتها' التي يمكن أن تشكّل عائقا أمام فهم أعمق وأوضح للظاهرة التاريخية، أسئلة كثيرة تبقى مطروحة في موضوع الإمبراطوريات يتطلبُ إيجاد إجابات لها استقراء الأحداث والوقائع التاريخية، بعيدا عن تحليلات وآراء معاصريها أو المعنيين بها، وفي ضوء ما سبقها وما تلاها من أحداث، ولكن أيضا باستغلال أيِّ اكتشاف جديد ذي صلة بمناهج وأدوات البحث العلمي، في التشريح والبيولوجيا الوراثية ورصد الآثار بالأقمار الاصطناعية، والفيزياء النووية وبالأخص منها ما يتعلق باختبارات الكربون 14 التي ما فتئ التطور فيها يقلص هامش الخطأ في تحديد عمر القطع الأثرية والهياكل البشرية، مما قد يساعد على كشف بعض من ألغاز التاريخ حول نشأة الإمبراطوريات وأسباب انهيارها، فالبشرية بلغت مرحلة لا مثيل لها من حيث الكشوفات والاختراعات والتقدم العلمي والتقني، وبدأنا بالفعل نكتشف مثلا أن الإمبراطورة الفلانية لم تنتحر وإنما ماتت بلدغة أفعى، وأن الفرعون الفلاني مات جراء مرض معين ولم يُقتل كما كان يعتقد، وأن مدينة كذا كانت أكبر مما يعتقد أو أنها لم تكن مركزاً تجاريا، واتضح أن التاريخ ينطوي على مناطق ظل كثيرة تحتاج إلى استكشاف، وتبيّن أنّ تاريخ الإمبراطوريات بالذات يطرح من الأسئلة أكثر مما يجيب عنه. وإذا كان معلوما أن الإمبراطوريات تنشأ معظمها إذا تهيأت ظروف معينة، وباستعمال قوة السلاح للغزو أو فرض العهود والمواثيق، وأنها تحتاج في الغالب مع القوة العسكرية والاقتصادية إلى إطار ايديولوجي يسوغ لمركز الإمبراطورية التوسّع والسيطرة على الأطراف أو الأقاليم بفرض نوع من التخلي عن السيادة وقبول الحماية والولاء الطوعي، فإنه مازال على الباحثين إن أرادوا مزيدا من 'التقعيد' النسبي لظاهرة الانهيار الحتمي للإمبراطوريات أن يقدموا إجابات لأسئلة مثل: متى تموت فكرة الإمبراطورية، وهل تموت أصلا كفكرة؟ بمعنى هل تبلغ الإمبراطوريات إذا ضعُفت مرحلة التفكك والأفول النهائي، أم أن مركز الإمبراطورية (نَواتها) غالبا ما يُعيد الكَرَّةَ حين تتغيّر ظروفُ وتتهيأ أخرى، فيتجاوز مرحلة الانكماش ليعود بالإمبراطورية من جديد وإن طال الزمن إلى مرحلة التوسع والاستقواء، ولو تحت مسمى جديد؟ لا يمكن في اعتقادي، مع بقاء إيطاليا وإيران واليونان وتركيا مثلا أن نعتبر الإمبراطوريات الرومانية أو الفارسية أو الإغريقية أو العثمانية أو حتى الإمبراطوريات الاستعمارية الحديثة كإسبانيا وبريطانيا واليابان وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وروسيا، إمبراطوريات بائدة، لأن بقاء المركز- النواة لكلّ منها وعدم تفككه يبقي قائما إمكانية انتقال هذه الإمبراطوريات مجدّدا من مرحلة الانكماش أو الكمون، التي هي فيها الآن إلى مرحلة التوسّع والاستقواء، ما لم تتعرّض قبل ذلك للتفكك كما ينذر بذلك الوضع المتأزم بين العِرقيات في بلجيكا وإسبانيا وروسيا وحتى فرنسا، باعتبار تفاقم أزمة الفرنسيين من أصول أجنبية.
ونحن نرى كيف أن بعضا من هذه الإمبراطوريات ما زال يحتفظ بمستعمرات ومناطق نفوذ بعيدة، كما تفعل فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، وتدافع بشراسة عن وجودها بتلك المناطق والمستعمرات، رغم التكلفة الباهظة لوجودٍ يبدو كماليا، لكنه بالنسبة إليها يمثل ضمانة لاستمرارية الإمبراطورية وتفادي انزلاقها إلى الانكماش أو التفكّك، بل إنه 'الوقود الاستراتيجي' للإمبراطورية، في مقابل ما يلزمها من وقود ايديولوجي واقتصادي وعسكري. ورغم كونها إمبراطورية 'غير أصيلة' أو ما يشبه إمبراطورية اصطناعية هجينة،
لا تخرج الإمبراطورية الأمريكية عن التصنيفات السالفة الذكر. ولأنها إمبراطورية بلا 'مركز- نواة' ما دامت نِتاجَ السطو على قارّة وإبادة سكانها الأصليين وتقسيمها بعد التطاحن حولها إلى ولايات (بالمسطرة والقلم)، وليست نتاجَ ضم أو التحام دولٍ أو أقاليم عريقةٍ، فإن أخشى ما تخشاه الإمبراطورية الأمريكية هو نفاذ وقودها الاستراتيجي ووقودها الايديولوجي، لأنها ستنزلق في تلك الحالة مباشرة من مرحلة التوسع والاستقواء (المتذبذب) التي هي عليها حاليا، إلى مرحلة التفكّك النهائي، من دون المرور بمرحلة الانكماش لعدم وجود مركز بحجم جغرافي وسكاني محدود يمكن أن ينكفئ على نفسه، كما أنه يصعب تصور أن تنكفئ على نفسها قارة بأكملها كأمريكا.
لذلك دخلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية القرن الماضي في سباق محموم ومتواصل للحيلولة دون نضوب وقود إمبراطوريتها الاستراتيجي-العسكري والايديولوجي أيضا (أو ربّما لتخصيب وقود الإمبراطورية أحيانا)، فشاركت في الحربين العالميتين الأولى والثانية وخاضت الحرب الكورية وحرب فيتنام وتدخلت في نيكاراغوا وبنما ولبنان والصومال واعتدت على مصر عبد الناصر والقذافي وحوثيي اليمن وقبائل باكستان، وهي اليوم بصدد خوض حربين متزامنتين في العراق وأفغانستان، وتقول عن حرب العراق بأنها 'حرب غير ضرورية' لأن الأكذوبة الايديولوجية المتمثلة في رغبتها بنشر الحرّية والديمقراطية لم تنطل على أحد، بينما تصف حرب أفغانستان بالحرب الضرورية لأن أدلجة الإرهاب ما زالت عملة رائجة.
إنّ محاولات الولايات المتحدة تأسيس 'الإمبراطورية الشاملة المُعولَمة' ستفشل لا محالة فشلا ذريعا بدليل فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير وكافة مشاريع الهيمنة على المدى الطويل. وما وهم نهاية التاريخ إلا فرية عكسها هو الصحيح، إذ يمكن القول إن البشرية قد دخلت عهد 'بداية التاريخ غير المزيف' لذلك فالأجدر أن نتحدّث بالفعل عن 'نهاية تزييف التاريخ' بدل الحديث عن 'نهاية التاريخ'، نهاية إمكانية تزييف التاريخ ستسهم فيها عوامل عدة من بينها: سنّ العديد من الأنظمة قوانين تقضي برفع السرية عن الوثائق السياسية والعسكرية بعد انقضاء فترة معينة. التطور العلمي والتقني في وسائل الاتصال والأجهزة والأنظمة المعلوماتية وفي تسجيل وحفظ ونقل المعلومات والمعطيات التي تجعل من ملايين المتتبعين عبر العالم شهودا وموثقين، وتجعل منهم بالتالي مؤرِّخين بشكل من الأشكال. ونحن نرى اليوم كيف أنَّ صحيفة مرموقة أو قناة متخصصة أو حتى موقعا إلكترونيا جريئا، يمكنه أن يكشف ما تحرص على إخفائه أقوى الأنظمة وأشهر الأنظمة الاستخبارية.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس االعربي اللندنية

السبت، 7 أغسطس 2010


قناة العربية تتنفس الصعداء! وجيزيل خوري وحافظ الميرازي في حالة شرود كان يوما استثنائيا على قناة "العربية"، وكانت أسئلة مذيعيها لضيوفهم وخصوصا منهم الروس والسوريين في حدّ ذاتها إجابات واثقة أكثر منها استفسارات تحتمل الإيجاب أو السلب. بدا المذيعون والمذيعات جميعهم غير قادرين على تمالك أنفسهم أو إخفاء حماسهم الزائد. " لا بدّ أنّ شيئا ما حدث على الساحة الدولية ليتصرّفوا على هذا النحو، شيء ما حدث دون أن أعلم به من فرط انشغالاتي المهنية، لهف "العربية" على ملاحقة أخبار إيران وسوريا ومن والاهما ،حتى التافهة منها، ليس بجديد، لكنه هذه المرة لا يبدو لهفا "على الفاضي" ككل مرة، والمشكلة أنني كنت تلك الليلة ملزما بانتظار التوضيحات على نفس القناة، فقد اقتحم عليَّ موظفو الفندق خلوتي بدعوى أن من أقام بالغرفة قبلي كان قد وقع في المحظور وأضاف قناة الجزيرة إلى القائمة، مما عطَّل باقي القنوات بجميع غرف الفندق، وبذلك "وجَب" حذف الجزيرة من القائمة لتعود الأمور إلى نصابها، أي إلى العتمة. لابأس، قلت في نفسي بعد مغادرة الغرفة من قِبَل وحدة التدخل السريع والوقاية الإعلامية للسياح، لا بأس، سأكتفي بالعربية على أن أجري كعادتي التعديلات اللازمة على خطها التحريري المائل لاستنباط الخبر اليقين، غير مقتنع باتهام الجزيرة ‘تقنيا’ بمزاحمة ترددات القنوات بعد اتهامها ‘إعلاميا’ بمداهمة الشأن الداخلي للأنظمة و‘تجاريا’ باحتكار بث كأس إفريقيا وكأس العالم رغم مساهمتها في كسر الأسعار ووقف جشع قنوات "لارياضية" شهيرة. لو لم تكن شركات الاتصالات على غرار شركات الأدوية بالمغرب من الشركات الأقل وطنية في العالم، بدليل أن أسعار الاتصالات والعلاج لدينا هي من بين الأعلى في العالم بأسره، لتمكنت تلك الليلة باستعمال الإنترنت من فك الحصار المضروب على الجزيرة بذلك الفندق على الأقل. لكن رداءة الخدمة لم تمكّنّي حتى من ولوج مواقع الصحف فبالأحرى التقاط البث الفضائي الذي يتطلب صبيبا أكبر، مع أن شركات الاتصالات تلك تحقق مجتمعة أرباحا سنوية بملايير الدولارات، نعم بملايير الدولارات! أخيرا أطلّ أحد مذيعي العربية مزهُوّاً ليبدّد حيرتي :" أحمدي نجاد يُحوّل نيرانه إلى روسيا، وموسكو تردّ بقوّة." و"سوريا تقيم مشروعا لاستجلاب مياه نهر دجلة بتمويل كويتي ومباركة تركية". هكذا إذن ظهر السبب وبطل العجب، وصدق إحساسي بأن نبرة العربية مختلفة هذه االمرة عن المعتاد، وأنها وجدت أخيرا أخبارا ذات قيمة تعفيها من إجهاد طواقمها في شيطنة سوريا، و توضيب وتفجير ثورات إيرانية متتالية باستوديوهاتها، فأحمدي نجاد قد حوّل نيرانه المألوفة (كالتِّنِّين) إلى "حليفه" الروسي، مع أنّ تلك النيران لا تعدو أن تكون مجرّد تصريحات تتمسّك بحقّ مشروع أو تحذيرات للغرب المتحيّز أو في أقصى الحالات وعيدا للكيان الصهيوني الغاصب. أما سوريا فقد "اقترفت" ما يتعدى مجرد الممانعة وما يمكن استهجانه في العلن، لقد أقدمت على المساس بحق من حقوق العراق الذي تتباكى عليه "العربية" أكثر من العراقيين أنفسهم، بينما تستمرّ في شيطنة مقاومته وزعيمه الخالد. وقد أطلعتنا القدس العربي بتفصيل في إحدى افتتاحياتها مؤخرا على آخر صيحات أساليب الشيطنة التي مورست ضد العراقيين وزعيمهم، شيطنة كفَّ عنها الغرب البراغماتي النّفعي بمجرّد الإطاحة بصدام واغتياله شنقا، بينما لم يكفَّ عنها إلى الآن بعض السياسيين والإعلاميين العرب الحاقدين. وفي هذا الصدد عزّزت قناة العربية فتوحاتها الإعلامية لتلك الليلة بتقرير مصوّر ومفصّل عمّا أسمته "معاناة" شبيه صدّام، ذلك المصري الذي أكدت أنه "مصري بسيط"، أي لا خطر منه، وأنه ما زال يتلقى عروضا بتمثيل دور صدّام في أفلام إباحية للإساءة إليه وللحيلولة طبعا دون تحوُّلِه ولو بعد مماته إلى زعيم ومرجع قومي بلا منازع. ألِهذا الحدّ كان الشهيدُ وما زال غُصّة في حلق بعض العرب قبل العجم؟
تساءلت يومَها عن سرّ عدم توسيع "العربية" فتوحاتها الإعلامية لتشمل حزب الله مع أنّه ليس من عادتها إغفاله لدى الحديث عن إيران أو سوريا، ولم تتأخر كثيرا إجابتها على تساؤلي، ففي اليوم الموالي تابعت (بشغف، أعترف بذلك) إعادة لبرنامج استوديو بيروت لجيزيل خوري التي لم تَقْوَ على التألّق هذه المرة، والسبب يكمن بلا شك في ثقل وزن الضّيف الذي لم يكن غير النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني السيد نواف الموسوي ، مدعوما من حيث لم يكن يدري بطالبين لبنانيين في الجامعة اليسوعية أمام دهشة جيزيل خوري، أما المناسبة فكانت افتتاح المقاومة اللبنانية أوّل منتجع سياحي لها في الجنوب وهو عبارة عن متحف مفتوح لكل اللبنانيين. أجهدت جيزيل نفسها في محاولة إثبات أن الطالبين اللذين زارا مواقع حزب الله ضمن فوج سياحي طلابي، قد تعرضا للإغراء أو التغرير من حزب الله بشكل من الأشكال، وكانت أسئلتها من نوع : هل كان هناك بنات؟ هل دفعتم مصاري؟ لماذا اخترتم جولة إلى الجنوب وأنتم تستطيعون القيام بجولة إلى أوروبا؟ ولم يفتها إلقاء أسئلة ذات طابع "استخباري" فبدت كأنها تسعى إلى كشف شيء ما يمكن أن يدين المقاومة : هل صوّرتم؟ أين كان المقاومون، متخفين أم في بيوت؟ أجاب طالبا الجامعة اليسوعية على سيل الأسئلة بكل لباقة معبرين عن درجة عالية من الوعي السياسي، وأكثر من هذا جدّدا دعمهما للمقاومة واعتبراها شريكا للجيش في الدفاع عن لبنان. أعتقد شخصيا أن المؤهلات المهنية العالية لجيزيل خوري بدأت تتعرض منذ مدة للتآكل بسبب الخط التحريضي (عفوا،التحريري) الغريب لقناة العربية، شأنها في ذلك شأن العديد من الصحفيين المرموقين الذين يوجدون بها في حالة شرودٍ بيِّن، ولعل آخر من انضمّ إلى القائمة الصحفي حافظ الميرازي الذي طالما تألق مع "الجزيرة" من واشنطن. عبد اللطيف البوزيدي- كاتب من المغرب - مدوّنة أقلامٌ مقاوِمة

الأحد، 1 أغسطس 2010

المعارضة المصرية.. من التشهير والتلفيق إلى الاتهام بالعمالة 14/07/2010
أن يضعف نظام سياسي أمام معارضيه أمر طبيعي يحدث في كل دول العالم، وقد تكون قَوّة المعارضةِ سياسيا وشعبيا محمودة إذا كانت تخدم مصلحة البلد وتأتي بمن هم أفضل إلى سُدّة الحكم ليقع تداول السلطة ويُقدّم الخلفُ بدائلَ لما استعصى على السلف. أما أن يضعف نظام سياسي ومعارضوه على السواء كما هو الحال في مصر، فهذا ما لا يمكن اعتباره طبيعيا ولا محمودا، لأنه بكل بساطة انتحار جماعي للبلد وأقصر طريق يمكن أن تسلكه دولة ما إلى قائمة الدول الفاشلة. لماذا إذن يصرّ النظام المصري المتهالك على مزيد من إضعاف المعارضة؟ وهل يعي، في ظل ضعفه وعزلته الإقليمية وعدم وضوح آليات انتقال السلطة، خطورة إفراغ العمل السياسي من محتواه وجدواه، على استقرار مصر ووحدتها وأمنها القومي؟ لقد دأب النظام المصري منذ انقلاب حركة الضباط على الملكية، على نهج أسلوب إضعاف المعارضة، فبدأت الأحزاب المصرية تضعف تدريجيا إلى أن صارت على شفا الانقراض، وقد حلّ اليوم دور الحركات الاحتجاجية الشعبية التي صارت تُحارَب بطرق ملتوية (التشهير،التلفيق، الاتهام بالعمالة لأطراف خارجية...) عوض الانكباب على دراسة مطالبها بجدّية كما يُفترَض. ومع أن النظام الرئاسي المصري هو نتاج المؤسسة العسكرية، فقد عمِل الرؤساء المتعاقبون على التحرر من قبضة الجيش وإبقائه تحت السيطرة وتحجيم أدوار رفاق السلاح القدامى وحمَلة السلاح الجدد، في مقابل إرساء نظام رئاسي مطلق يرتكز على شخص الرئيس ويمكّنه من معظم السلطات بما فيها تعيين نسبة من أعضاء مجلس الشعب. ورغم محاولة التغطية على شمولية النظام بتأسيس الحزب الوطني، لم ينجح ذلك إلا في جعل النظام أقرب ما يكون إلى نظام الحزب الواحد، الذي يكتسح الساحة السياسية بوسائل مشبوهة غالبا، في ظل ضعف باقي الأحزاب وغياب دورها الفاعل. وكأن 'شِبهَ نظامِ الحزب الواحد' لا يكفي فقد تم العبث بالدستور، لتحويل التنافس على الرئاسة إلى استفتاء بمرشح وحيد هو طبعا مرشح الحزب الوطني. لم يُفِد مصر في شيء تحوُّلُها إلى جمهورية، إذ ما لبثت أن عادت أدراجَها (بخفي حنين) إلى ما يشبه أردأ وأسوأ أنواع المَلَكِيات، 'ملكيةٍ' شمولية وغير دستورية، يتم فيها توارُث الحُكم ماجداً عن ماجد وولَداً عن والد. ولأن السياسة كالطبيعة لا تقبل الفراغ، وخصوصا الفراغ الحزبي فقد تضافرت عوامل عدة منها ضعف النظام خارجيا وإضعافُه أحزابَ المعارضةَ داخليا ومنعُه حركة ذاتَ وزن كالإخوان المسلمين من تأسيس حزب... عواملُ أدّت مجتمعةً إلى بروز حركات مدنية وحقوقية نشيطة على الساحة، وإعلان شخصيات مرموقة نِيَتَها الترشح للرئاسة، مثل السيدين عمرو موسى والبرادعي مع اشتراط هذا الأخير تغيير الدستور، ودخوله في مواجهة حقوقية ومدنية مباشرة مع النظام المصري، الذي عمد إلى تعبئة كافة وسائله السياسية والقانونية والأمنية والإعلامية، لعرقلة نشاط تلك الحركات وتلك الشخصيات. لا أدري ما دوافع الخرجات الإعلامية للعديد من الفنانين الأكثر 'شعبوِيّة' في مصر، لا أدري إن كانت تلك الخرجات وسيلة من وسائل النظام لنزع الشرعية عن المعارضة والحد من تنامي شعبيتها، على اعتبار أن البسطاء المُفقّرين المُجهّلين وهم أغلبية الشعب يصغون أكثر إلى 'المشاهير' المنحدرين من طبقاتهم المسحوقة، أم أنها مبادرات فردية وشخصية من 'النجوم' الأكثرِ استفادةً من بقاء الوضع على حاله في مصر، لكن المؤكَّد أنها خرجات إعلامية تستهدف المعارضة وتذود بشراسة عن النظام ومنجزاته، فبعد المغني الشعبي شعبان عبد الرحيم الشهير بشعبولا، الذي شنّف سمع السيد البرادعي بانتقادات هي مجرد عتاب ساذج على 'مزاحمة' الرئيس (القدس العربي عدد6481 في10/04/2010)، ونصحه بأن 'يربط الحمار مطرح ما يقول صاحبه'، جاء دور 'زعيم' الكوميديا المصرية ('القدس العربي' عدد6544 في23/06/2010 ) الذي أبى هو الآخر إلا أن يُسمِع البرادعي 'كِلْمِتيِن' في جريدة مصرية، 'كلمتين'، هما في الأصل، موجهتين لعوامّ المصريين ولا أدلَّ على ذلك من أن السيد عادل إمام، وهو يعلم كما يعلم الجميع أن الرئيس أعجز من أن يباشر حتى مهام الولاية الحالية كما يجب، أعلن على طريقة 'الناخبين الكبار' في الديمقراطيات الغربية، نيته التصويت للرئيس إن ترشح لولاية خامسة أو سابعة أو عاشرة، لم يعد أحد يهتمّ بالعدّ، فالرجل قبع بالمنصب أكثر من اللازم بكثير.
قال عادل إمام مبديا رأيه في محمد البرادعي :'ليس كل عالم يصلح أن يكون رئيسا للجمهورية، ثم ما لبث أن تناقض مع نفسه بتأكيده أن جمال مبارك يصلح للمنصب لأنه درس الاقتصاد بالخارج وليس 'بتاع بطاطا'، وتناسى السيد عادل أنّ البرادعي أيضا درس بالخارج وهو أيضا ليس 'بتاع بطاطا' وإنما 'بتاع نووي وسياسة دولية' وبالتالي فهو الأقدر على علاج ضمور حجم مصر وتقزُّمِ دورها على الساحتين الإقليمية والدولية. لا أعلم بالضبط ما مناسبة هذه الخرجة الإعلامية والتعليقات السياسية التي حرص على الإدلاء بها 'زعيم الكوميديا العربية'، لكن الرجل بدا وكأن له ثأرا قديما مع السيد البرادعي، فقد أغضبه أن يُشَبّه البرادعي بغاندي أو مارتن لوثر من دون أن يعلم أحد ما علاقته هو بالموضوع، ثمّ ما المانع من أن يوصف البرادعي بغاندي أو مارتن لوثر ما دام مثلهما يقود معارضة سلمية للنظام؟ فعلى حدّ علمي المتواضع لم يكن أي من الرجلين قدّيسا أو نبيّا حتى يَحْرُم على البرادعي التّشبُّه بهما، فهو مثلُهما مواطن مثقّف وقف على ضعف وفساد نظام بلاده ومعاناة مواطنيه مع الظلم والتعسّف والاختطاف والتعذيب، وعاين تدهور أحوال بلده بالفقر والبطالة واختلال توزيع السلطة والثروات، مع فارق أن حالة مصر البرادعي أكثر صدما وإيلاما من حالتي هندِ غاندي وأمريكا مارتن لوثر، لأن مصر لا تعاني من احتلال كما كانت الهند في عهد غاندي ولا من ميز عنصري كما كانت أمريكا يوم انبرى مارتن لوثر زعيما للسود قبل تصفيته، وإنما تعاني مصر من نوع من 'القرصنة السياسية' قل نظيره في العالم، من لدن فئة قليلة استحكم نفوذها بفضل فرية قانون الطوارئ الأزلي فأطبقت السيطرة وخنقت الحريات بتحالف السلطة ورأس المال اللاشرعيين، وبدعم الغرب نظير خدمات وتنازلات. خاض 'الزعيم' في الهزل خلال مشواره المهني الطويل بأسلوب لا يخلو من الرسائل السياسية كتهويل خطر 'الإرهاب' الإسلامي (الإرهاب والكباب والإرهابي نموذجا) وتبخيس خطر إسرائيل (السفارة في العمارة)، وهاهو ذا اليوم يخوض في السياسة بأسلوب هزلي مضحك وإن حاول جاهدا أن يضفي عليه صبغة الجدية، وبذلك ارتقى بفنه من إضحاك العوام بالكلام البذيء وأدوار الأحول والأبله و'الصعيدي' إلى إضحاك وتسلية السياسيين والمثقفين بتصريحاته السياسية-الهزلية، فهو مثلا يحيي ويدعم مقاومة تبعد عن مصر مئات الأميال هي مقاومة حزب الله مع أن النظام اتهمها بتكوين خلية 'إرهابية' بمصر، ولو أخبره بذلك 'أولاد الحلال اللي بيقرو جرايد' لما خاطر بلسانه في مدح حزب الله، بينما يذم مقاومة أخرى على بعد أمتار من مصر هي مقاومة حماس ويرى فيها خطرا أكيدا على 'أمن مصر القومي' ومدعاة إلى إقامة جدار مهين أيّده علنا وبأعلى صوته مثلما فعل باقي أزلام النظام اللامشروطين! استمر مسلسل تناقضات عادل إمام المسلّية التي قلما يصادف المرء ذلك الكم الهائل منها مجتمعا في تعليق 'سياسي' واحد، فبينما يعترف أن هناك دولا عربية لا توفر حتى المعيشة لسكانها وعلى رأسها مصر طبعا، لا يدخر جهدا في الدفاع بشراسة عن استمرارية النظام وبقاء الريس في السلطة، وعوض أن يعتب على الريس ونظامه المتهالك، صب جامّ غضبه على الدول العربية الميسورة، من دون أن ينتقي كلامه كما نصح بذلك البرادعي، فبالنسبة إليه ربما كان على الدول التي 'لا تجد من يسكن في الأبراج التي شيّدتها' أن تفتحها لملايين المصريين المفقرين الذين يقطنون عشوائيات صارت وصمة عار على جبين النظام، حتى يتكرّم سيادته بقبول وتشريف العروبة، وإلا فلا وجود لما يسمى 'القومية العربية'.
إن أمثال هؤلاء النجوم 'الشعبويين'، وإن كان منهم من اشتهر حتى الثّمالة ومن اغتـــــنى حدّ التّخـــمة فصار يهدي القلائد الماسية المليونية، ليسوا في المحصلة سوى نماذج من الشخصية العربية العامية ما داموا لم يحظوا على غرار ثلثي العرب بحقهم في تعليم كمي وكيفي يكفل لهم الحدّ الأدنى من الاستقلالية الفكرية اللازمة لممارسة المواطَنة حقوقا وواجبات، تجدهم في كل مكان بحيث يشكّلون طبقة طفيلية عريضة تنمو كلّما ازداد النظام فسادا، طبقة يجند أعضاؤها بعضهم البعض لضمان 'خدمات' سرية وآمنة للأنظمة الفاسدة، فينتشرون كالنار في الهشيم بدواوين الوزارات ودواليب الإدارات ويأتون على الأخضر واليابس في جميع المجالات الإدارية والــــعلمية والإعلامية والرياضية والفــــنية، بغيرما حاجة لكفاءة أو مؤهــــلات سوى انعــــدام الهِمَّة وفساد الذمَّة. وإذا ما تفاقم ضعف النظام وعجـــزه وأحسّ بخطر يتهدده ولو كان مجرد مطالبة بالنزاهة والشفافية أو التداول الديمقراطي للسلطة، أومأ إلى خدّامه هؤلاء للذود عنه بمدح فضائله وذمّ خصومه.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية