29/01/2010 |
نجح الصهاينة بعد نصف قرن من تأسيس حركتهم العنصرية في إقناع حكومة بلفور، ومن خلالها بريطانيا التي كانت قد فقدت منذ تلك الفترة وليس اليوم فقط الكثير من بريق لقب 'العظمى'،(نجحوا في إقناعها) بمنحهم موطئ قدم في منطقةٍ عَرَفوا بدهائهم أنها مركز العالم ماضيا ومستقبلا من حيث الجغرافيا والإثنولوجيا والحضارة والموارد، نجح إذن من لا يملك في تمليك من لا يستحق، على حساب شعبٍ بأكمله، بقبائلِه وشرائحِه وعوائلِه، ووطنٍ بقُراهُ ورُباهُ وخمائلِه. واختلفت منذ ذلك الحين ذرائع بريطانيا باختلاف المُخاطَب، فبالنسبة للعرب وباقي ضعفاء العالم فهي قد سلّمت فلسطين إلى الصهاينة لأنها كانت أرضَهم وأرض ميعادهم واضطرّوا إلى مغادرتها منذ سنوات 'ضوئية' فقط! وكأنها بذلك تقول إنّ فلسطينَ أقدمُ سِلعة في العالم تحمل ميزة 'علامة مسجلة'.وبالنسبة للغرب 'المتحضِّر والمتعقِّل والمتفهِّم' كانت وما زالت ذريعةُ بريطانيا في تسليم فلسطين المغتَصَبة إلى الصهاينة هي أنها تعوِّضهم عما يُزعَم أنّ هتلر والنازيين كانوا قد أذاقوهم لِتَوِّهِم خلال الحرب العالمية الثانية من صنوف التنكيل والتشريد، ولو صحَّ زعْم 'المحرقة' بطُل العجب من تخصّص الصهاينة في التنكيل بالعُزَّل وتشريدهم والرّجم الفضائي الغادر دون باقي تخصصات المحاربين الحقيقيين (راجع مقال 'الاستراتيجية الحربية الجديدة لإسرائيل' للكاتبة الفلسطينية رنا حداد بـ'القدس العربي' عدد6408 في 15/1/201). أما الهدف الرئيسي من المؤامرة البريطانية التي جعلت من الصهاينة رأس حربتها فلم يكن قطعا إحقاق 'حق اليهود'ولا تعويضهم عن جرائم النازيين، وإنما كان الهدف الرئيسي زرع كيان طفيلي في خاصرة المنطقة العربية، يُمكّن بريطانيا وحلفاءَها الغربيين من رعاية أطماعهم في مقدّراتها، بعد أن خرجوا من الحرب العالمية الثانية مُنْهكي الاقتصاديات ولم يعد ممكنا بالتالي الحفاظ على المستعمرات وبالأخص مع تنامي حركات المقاومة بها، إنه هدف إمبريالي وانتهازي مقيت لم يعد خافيا إلاّ على من يصدِّقون أمثال السيد آيفن لويس وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط ومقاله المنشور بـ 'القدس العربي' عدد 6407 في 14/1/2010 الذي يُلْبِسُ بريطانيا من خلاله قميص الفضيلة والإنسانية الذي لا يَسَعُها ولم يَسَعْها أبدا وبالأخص خلال ماضيها الكولونيالي، مصدر فخرها المعلن قديما والمُنتشى به سِرًّا في عصر ذريعة نشر حقوق الإنسان، ذلك الإنسان نفسه الذي كان إلى عهد قريب مستعبدا من لدنها ومن لدن شلة الدول الاستعمارية في مستوطنات الغرب التي لم تكن تغيب عنها الشمس، بل ذلك الإنسان عينُه الذي تَذَكَّر الغربُ فجأة أن له حقوقا حتى ليُخيَّل إلى المرء أنه غربٌ آخرُ غيرُ الذي عرفتِ البشريةُ ماضيهِ (وحاضرَه) وضلوعَه في نهب مقدرات الشعوب بأساليبَ تتنوع وتستجِدُّ على الدوام. فهل يظن السيد آيفن لويس أن هناك من سيصدق أن بضع عشرات الملايين موزّعة على سنوات،هي التي ستُنَمِّي بلدا آهلا وممتدا وعلى حافة الإفلاس وتدعم استقراره؟ أم أن مبالغ تافهة كهذه تكفي بالكاد لإطالة أمد الصراعات الدامية وتأخير الحل بتمويل القمع الذي تمارسه أنظمة يعلم الغرب قبل غيره أنها مستبدة وفاقدة الشرعية؟ أليست لحكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا ولسكان غزة المنكَّل بهم والمجوَّعين المحاصَرين المشرّدين الأولوية في مساعدة الغرب 'المتحضّر السخيّ المحسن'، الذي لا يتوانى عن المساعدة على 'تنمية دولة ديمقراطية قادرة على معالجة أسباب الصراع وعدم الاستقرار'؟ أم أن فك الحصار ومساعدة الفلسطينيين،الذي يقوم به مواطن السيد لويس'الشريف غالاوي' المنبوذ في الغرب، يعدّ 'لعِباً'من بريطانيا في منطقة صنيعتها إسرائيل الخارجة عن السيطرة،لا بل والتي صارت هي المُسيطرة بعد أن صارت تغير قوانين صانعيها في عقر ديارهم؟ ولديّ من الأسئلة الكثير للسيد لويس فقد قيل : فلو أنّي كنتُ أميرَ جيشٍ لَما قاتلتُ إلا بالسؤالِ: فإني رأيت الناس يفرّون منه.. وقد ثَبَتوا لِأطراف العَوالي (السّيوف).فهل سيثبت السيد لويس أمام هذه الأسئلة؟ وهل لديه إجابات واضحةٌ غير َ المنّ بجنيهاته، عن أسباب حشر الغرب وبريطانيا أُنوفهم هنا وهناك عبر العالم؟ وهل باستطاعته أن يفنّد قناعة الكثير بأن إسرائيل-الأداة لم تعد كذلك، بل وصارت تسعى لقلب السِّحر على الساحر بالسيطرة على الغرب المخترَق من لدنها؟ عبد اللطيف البوزيدي-كاتب مغربي-القدس العربي اللندنية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق