الاثنين، 19 يوليو 2010

المصدر : القدس العربي
لمنْ تُقرَع الطُّبولُ حول الصومال؟
10/02/2010
منذ أن أحكم الغرب قبضته على المجال البحري للصومال و تقلّصت بشكل ملحوظ عملياتُ 'القرصنة'، عادت الأزمة الصومالية إلى العتمة حيث مكانها الطبيعي منذ عقود حين لا تمتد تبعاتها خارج حدود هذا البلد المقسّم والمُنْهك، هذا البلد الذي ينسى الجميع أنه بلد عربي في زمن نسيان العروبة حتى في حضن أم العروبة. هكذا هم الغربيون، الذين أعني بهم أنظمة الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وأستراليا وصنيعاتهم ومن يدور في فلكهم من أنظمة (حتى لا يلتبس الأمر على من يفردون مقالات بأكملها لإثبات 'هلامية' مصطلح 'الغرب' وخطأ نظرية المؤامرة)، هكذا هم، لا يتعاملون مع الأزمات ولا يُذْكونها أو يُخْمِدونها إلا بقدر ما يجنونه منها من مكاسب أو بقدر ما يريدون تجنُّبَه من مخاطرِها وتبعاتِها.
في الأيام الأخيرة تذكّر الغرب الصومال من جديد، بعد استراحة قصيرة الحق أنها 'مستحقة'، هكذا دأب الغرب على التعامل مع الأزمة الصومالية المزمنة، ما إِنْ تستعصِ عليه، وهي على كل حال دائمة الاستعصاء، حتى يعمد إلى نسيانها لفترة قبل أن يتذكّرها فجأة وعلى حين غرة، وكأنه متلهف بعد استجماع قواه، للعودة إلى لعبة أدمن عليها. هذه المرة أيضا كان لابد من جوقة إعلامية تمهد لإثارة الأزمة الصومالية في المحافل وتسليط الأضواء عليها لدى الرأي العام العالمي سهلِ الانقيادِ، فانبرتِ العديدُ من وسائل الإعلام الغربية وتقدمت موكب دق الطبول منها: فرنس برس ورويترز والأوبسيرفر التي تصدرها 'الغارديان' وربما غيرها كثير، فالأوبسيرفر البريطانية كرَّسَتْ طُبولها لمحنة اللاجئين الصوماليين الفارّين من 'بطش' الشباب المجاهدين، وذلك في تقرير كتبه في31/1/2010 بيتر بومنت عن منظمة الأوكسفام، وهي لمن لا يعرفها ائتلاف من 14 منظمة 'إنسانية' ضد الفقر والظلم، تأسست في 1995 وتخصّصت منذ ذلك الحين في إثارة الضّوضاء حول 'بؤس ولاجئي ومجاعة وإرهاب' كل منطقة ينوي السياسيون في الغرب حشر أنوفهم فيها. وأحمت وكالة فرنس برس طبولها وناغمتها مع صوت التراشق المدفعي بالصومال والإثنتي عشرة ضحية بالتمام والكمال.
أما وكالة رويترز فقرعت طبول الدعاية دونما حاجة إلى قرع أبواب جيران الصومال، فقد أبلغوها وأبلغوا العالم من حولهم، في بيانهم الصادر باسم منظمة 'الإيغاد' التي تضم دول الشرق الإفريقي بما فيها الصومال، أنْ لا هَمَّ لديهم في ظلِّ أمنهم ورخاء شعوبهم وبحبوحة عيشِهم، سوى ما يجري في الصومال وتأثيره على 'بونتلاند' و'صوماليلند' وحتى على اليمن! (قريبا سيقولون أن مجاهدي الصومال هم من تسببوا في الأزمة الأمريكية الصينية المتسارعة!).
ولم تنسَ 'رويترز' إقحام رأيِ ما أسْمَتْه 'أجهزة أمنية غربية' وهو طبعاً رأي يؤكد أن 'البلاد باتت ملاذا آمنا للمتشددين الإسلاميين بمن فيهم 'الجهاديون' الأجانب الذين يستخدمونها للتخطيط لهجمات في أنحاء المنطقة وما وراءها'.
نعم..نعم، مفهوم.. الجهاديون يجاهدون فقط لأجل الجهاد، فهو هوايتهم أو إن شِئتم لعبتهم المفضلة! نعم كل هذا مفهوم..إنهم يهدّدون المنطقة وما وراءها ويفجّرون الأحذية والملابــس الداخليــــة بالطائــــرات، وربــما يفجّــــرون قريبا الجـــوارب والمِشَدَّات، كل هذا معلوم..إنها قصة الجهاديين مع الملابس والتي لا تقل عنها غرابةً قصةُ الغرب مع الملابس، وملابس العرب والمسلمين بالتحديد، فالغرب يقود حملة متصاعدة ضدها، بدأ بنزع النقاب ثم الحجاب إلى أن وصل إلى نزعها كلها بمطاراته. كل هذا معلوم كما هو معلوم منذ عقود أن الصومال دولة فاشلة ، وأن الغرب لاقى فيها هزائم سياسية وحتى عسكرية ما زالت عالقة في الأذهان، ولعل في تحسُّر بيتر بومنت بالأوبسيرفر على مآل نصب تذكاري أقيم بمنطقة 'أرض الصومال' في 1953 خِصِّيصاً لزيارة لم تتم آنذاك لملكة بريطانيا،(لعل في تحسره) تعبيرا صادقا عن الحنين البريطاني والغربي عموما إلى الماضي الكولونيالي حين كانت السيطرة على الأوطان وإخضاع الشعوب أمورا يسيرة كشربة ماء.
فما سرُّ هذه الهبَّة الإعلامية حول الصومال والتي ستتلوها لا محالة تحركات سياسية من نفس المستوى وفي كل الاتجاهات؟ ولماذا تذكّر الغرب الصومال هذه المرّة؟ وهل يدخل ذلك ضمن تحضير المنطقة، كل المنطقة، لحرب محتملة مع إيران يعي الغرب أنها ستشملها برُمَّتها إذا اندلعت؟
عبد اللطيف البوزيدي كاتب من المغرب-القدس العربي اللندنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق