18/02/2010 |
أن يعود السفير المصري إلى الجزائر ويُقْبَر موضوع الحرب الكروية العربية الأولى بنفس السرعة التي اندلعت بها تلك الحرب وألحقت من الخسائر المعنوية بالشعبين المصري والجزائري ما لم تُلحقه حروب حقيقية خاضاها. لقد كانت بحق حربا معنوية ونفسية هي الأولى من نوعها عربيا إن لم يكن عالميا، وأغلب الظن أنها لن تكون الأخيرة، صحيح أنها انتهت بعد 'معارك طاحنة'لم يبخل فيها الطرفان بالتجييش والعتاد وامتدت رقعتها إلى أربعة بلدان إفريقية، وإذا استثنينا بعض الجرحى فقد عاد الجميع 'إلى قواعدهم' سالمين غانمين، لكن عدم معالجة الأسباب الحقيقية للحرب الكروية العربية الأولى يترك الباب مفتوحا على مصراعيه 'لاندلاع' حرب ثانية قد لا تكون كروية فقط لا قدَّر الله!لا أيها السادة، يا من تسببتم عن عمد في المهزلة، لا يمكن أن تُقْبِروا الموضوعَ هكذا بكل بساطة، فهناك علاقة أفسدتموها بين بلدين كانا إلى الأمس القريب متضامنين، ورابطة كسرتموها بين شعبين ظلا لعقود حميمين، لا يمكن أن تنجُوا من المحاسبة ولا أن يُتْرك ما أفسدتم دون إصلاح، فمصر والجزائر من دعائم الوحدة العربية المستقبلية مهما تملَّص منها نظاما البلدين ورَكَنا إلى القُطرية المُقزِّمة والتّشرذم المُمنهَج. لا أحد يمكن أن ينكر جاذبية كرة القدم ولا مقدار المتعة والتسلية التي تجلبها ممارستها ومتابعة مبارياتها ونتائجها، لذا لم نكن نلوم شعبي مصر والجزائر على وقوعهما ضحيتين للجرعة الزائدة من الشغف الكروي، ولم نكن لنستهجن الفورة التي ألَمَّت بهما. ولم نكن لنظُنَّ بأُخوّتهما وعروبتهما الظّنون لو لم يسْطُ نظاما البلدين على الفرجة والتنافس النزيه، فهما على شاكلة بعضهما جالسان على برميلي بارود ومتلهفان لكل ما يمكن أن يُلمِّع صورتيهما الباهتتين، حتى قيل عنهما ألّا مشروعَ مستقبليا لديهما سوى كرة القدم ، أو بتعبير أدقّ 'التطور والتقدم والهيمنة الكروية في المحافل القارّية والدولية''لهذين النظامين وغيرهما يجب أن يُقال: 'أفلحتم إن صدقتم'، فإذا كان مشروعهم هو تطويركرة القدم والرياضة عموما فليكن، ولكن يجب أن يعلموا أنّ الأمر ليس هيّنا ويتطلب أكثر من مجرد انتظار بزوغ نجوم الكرة وألعاب القوى لاستقبالهم واعتبار مجهوداتهم الشخصية من إنجازات الوزارات وفتوحات االحكومات، ليُهمَلوا من جديد ويتركوا لمصائرهم، فالأبطال العرب الذين تألّقوا عالميا بمجهود شخصي ودون دعم يكادون يشكلون القاعدة (عويطة، مرسلي، شعاع، بولمرقة، العيناوي، الملولي، غريب، المتوكل...ومئات محترفي كرة القدم بأوروبا). إن تطوير الرياضة وتحصيل النتائج بانتظام يتطلب بنيات تحتية ومنشآت مهمة، ويتطلب قبل ذلك تطوير النظام التربوي والرفع من مستوى عيش السكان.. ليت مشروع الدول العربية هو فعلا تطوير الرياضة فمن شأن ذلك تطوير جميع الميادين الأخرى أولا، فليس صدفة أبدا أن تكون أكثر الدول تألقا في الرياضات وأكثرها تتويجا هي نفسها أكثر الدول تقدما علميا وتربويا واقتصاديا. وللرياضيين العرب وللجمهور الرياضي العربي يجب أن يقال: 'رُبَّ ضارة نافعة'! لا بأس في أن يكونوا شغوفين بكرة القدم والرياضات الأخرى، فلا أحد قال إن الرياضة مَضْيَعَةٌ للوقت ولا أحد ينكر فوائدها، لكن ما يجب ألّا يفوتهم هو الاستفادة الدائمة من العِبَر التي تزخر بها، نعم في كرة القدم أيضا عبر لمن يعتبر، فالانتصار على غرار التقدم والنماء مؤشرٌ على سلامة النهج، والحفاظ على الانتصار يتطلب الاستمرارية والانتظام في العطاء وعدم التراخي أو الوقوع في الغرور، والخسارة كما التقهقر والتخلّف مؤشرٌ على أعطاب أو اختلالات وجب إصلاحها، وتفادي الخسارة مستقبلا يستلزم الوقوف على أسبابها وعلى مكامن الخلل. وفي نهج حكام المباريات والمنافسات عبرة أيضا، فالحَكَمُ على غرار الحاكم أو المسؤول، إذا كان شرعيا ومقبولا وطبق القوانين بنزاهة ولباقة، استطاع إدارة المباراة بكفاءة ليترك مكانه طوعا لحكم آخر في مباراة أخرى ربما على أرضية نفس 'الملعب'، وإذا تصرّف عكس ذلك على غرار بعض حُكّام الأنظمة، يصير بطلا بلا منازع، لكنه بطل شقيّ مذموم يُطْبِق على أنفاس الجميع ويثير حنقهم فلا يلبثون أن يُؤْذوه بعد أن ييأسوا من إمكانية إتمام 'المباراة' تحت إمرته. ومن يطلق العنان لمخيلته يجدْ من العبر في الرياضة ما يكفي لـ'ترييض' السياسة بالنزاهة والتنافس النزيه، بدل 'تسييس' الرياضة بالإثارة والتضخيم. عبد اللطيف البوزيدي-كاتب مغربي-القدس العربي اللندنية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق