21/02/2010 |
زُيِّن للناس حب المال والسلطة وجُبِل الإنسانُ على حب الشهوات والسعي إليها على مر العصور، غير أنَّ ذلك لا يعني بالضرورة عدم وجود من زهدوا ومن يزهدون في الشهوات وبالأخص منهم أولئك الذين يستنكفون عن السلطة مهما غَزُر عِلمُهم أو عَلا شأنُهم، ويكتفون بدور استشاري يتّخذون من الجوانب الأخلاقية والقيمية منطلقا له. إلى أمثال هؤلاء تحتاج الشعوب والقوميات ليرشدوا أنظمتها وحكامها إلى سبل السلم والتقدم والنماء وبعيدا عن التبعية أو التوسع أو الاعتداء. لكن العكس هو الذي يحصل في الغالب، فلا يكاد يخلو تاريخ أمّةٍ من فصول دموية من الصراع حول السلطة سواء على المستوى القبلي أو القومي، فما الذي يفسر استمرار الجاذبية القوية للسلطة مهما تطوّرت البشرية وتنوّرت وسعت إلى تغيير أساليب القيادة وأنماط الحكم؟ أعتقد أن هناك عوامل ذاتية وأخرى موضوعية يمكن أن تفسر نوعا ما الجاذبية الكبيرة التي تمارسها 'السلطة' على الإنسان، منها العامل الذاتي المتمثل في طموح الإنسان اللامتناهي، هو الذي لم يكفّ أبدا عن رفع سقف التحدي وتخطي عتبات الإنجاز المتميّز، وكذلك العامل الموضوعي ذو الصلة بالارتباط الوثيق بين السلطة من جهة والدوائر المالية ومنابع الثروة ومصادر الإنتاج من جهة أخرى، ولا شك أن هناك عوامل كثيرة تحفظ للسلطة جاذبيتها وإغراءها الذي لا يقاوم إلا ّ في النادر، لكن أهمها على الإطلاق في نظري وأكثرها قدرة على تفسير انجذاب الإنسان للسلطة هو اعتباره إياها تشريفا لا تكليفا. وللعرب كما لغيرهم من القوميات حكاياتهم الطريفة مع السلطة والساعين إليها، حكايات ما زال مَعِينُها لم ينضب وما زال ذوو السلطة والمسؤولون العرب ينسجون على منوالها، فانجذابهم إلى السلطة ربما يفوق انجذاب غيرهم إليها وإلاّ فكيف نفسر أن أغلب المتمسكين بالسلطة في العالم بل والمتمسكين حتى بالمناصب القيادية الجمعوية والنقابية هم من العرب؟ ولماذا نجد العرب في 'عزّ' تخلُّفِهم سبّاقين إلى 'ابتكار' تحويل الجمهوريات إلى 'جملوكيات' وراثية؟ بل وكيف نفسر فضائح هتك أعراض المستضعفات من لدن بعض المنتسبين إلى 'أصغر سلطة في العالم وأغرَبِها' كونها تحت الاحتلال؟ كيف نفسر هذا وذاك سوى بالانجذاب إلى السلطة أكثر من الغير بكثير؟ إن مسؤولي وشعوب العرب، يعتبرون أكثر من غيرهم السلطةَ تشريفا يُطلق اليد في خيرات البلاد وأعراض العِباد، لا تكليفا تصحبُه مراقبة وتتلوه محاسبة، إذ تنهال على كل من بلغ منصبا، رسائلُ التبريك ووفود المهنِّئين، في حين أنَّ ما يجب أن ينهال على من يتقلد سلطة أو مسؤولية هي رسائلُ المؤازرة والتعزية في راحة باله وساعات نومه التي يُفترَض أنْ يفقدها من فرط ما سيبذله من مجهودات ليكون أهلا للمسؤولية ويؤدّي الأمانة، وما يجب أن يُنْصَب له ليس قاعة حفلات بل 'خيمة عزاء وعمل' يلتقي فيها بوفود المؤازرين ويتلقى النصائح والاقتراحات ووعود المساندة. وحتى نتجاوز شيئا ما مرحلة تشخيص الظواهر التي ابتُلينا بها عوامَّ ونُخباً، يمكن اقتراح بعض الحلول منها على الخصوص: الشروع في التطبيق الصارم لمبدأ المحاسبة والحد من ظاهرة الإفلات من العقاب التي تكاد تنفرد بها الأنظمة العربية. اعتماد آليات تطبيق ديمقراطية تناسبية من شأنها الرفع من مستوى الهيئات التشريعية لتصير في مستوى فرض الرقابة اللازمة على مختلف السلطات التنفيذية والقضائية وحتى الرئاسية (راجع للكاتب مقال:نحو ديمقراطية تناسبية بالوطن العربي 'القدس العربي' عدد6408 في 15/1/2010 ص18). حثّ النخب والمؤسسات على اعتماد مبدأ 'نحن لا نولّي السّلطة مَنْ يطلُبُها'، فعلى النخب ألاّ تسعى في طلب السّلطة بكل ما أوتيت من علم ونفوذ وأن تترك أمرَ ترشيحِها واختيارِها لغيرها من أشخاص ومؤسسات، وتترفّع عن اللهاث خلف التشريف، مع البقاء على استعداد للتكليف. عبد اللطيف البوزيدي-كاتب مغربي-القدس العربي اللندنية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق