الثلاثاء، 20 يوليو 2010


إصلاح الأمم المتحدة، قبل فوات الأوان
05/04/2010
قبل بضع سنين تعالت انتقادات شديدة لمنظمة الأمم المتحدة وتوجه العديد من كبار المفكرين والسّياسيين إلى المناداة بضرورة إصلاح المنظومة الدولية برمتها، لكن سرعان ما خفتت تلك الانتقادات والدعوات وكأنها لم تكن إلّا بَالُون اختبار أطلقته القوى المهيمنة دائمة العضوية وبالأخصّ منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. يحدث هذا في وقت يرى العامّةُ قبل المختصّين أنه يتعيّن بالفعل إدخال تعديلات جوهرية على هيئة الأمم المتحدة من حيث تشكيلتها وتسييرها ولاسيما نوعية ومستويات التمثيل بها وكيفية التصويت على قراراتها وتوصياتها، أو لِمَ لا، بكل بساطة إعادة تصور واستحداث هياكل منظومة دولية جديدة بمعايير أكثر ديمقراطيةً وتناسباً.
خفتت إذن الدعوةُ إلى إصلاح منظمة الأمم المتحدة وإن لاحت لفترة قصيرة بوادر الرغبة في توسيع العضوية الدائمة بإلحاق بعض كبريات الدول من أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كما تعالت المطالبات بتمثيل جنوب إفريقيا للقارة السمراء. لقد اتضح أن لا أحد لديه الرغبة في متابعة الموضوع إلى مداه، رغم الأهمية إن لم نقل الأولوية القصوى التي يكتسيها إصلاح هياكل الأمم المتحدة لتفادي التداعيات الخطيرة للملفات المُلِحّة التي باتت تثقل كاهل 'المجتمع الدولي' وتهدد السّلام العالمي.
ومع كل بوادر جنوح الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى الهيمنة والفردانية، وتخلّيها عن لعب الأدوار المنوطة بها كوسيطة في حل النزاعات الدولية، ونزوعها نحو استغلال مكانتها ونفوذها في المنتظم الدولي لتحقيق مصالحها بل وحتى المآرب الشخصية لحكامها والدائرين في فلكهم وشركاتهم العابرة للقارات، ومع صمت وخضوع باقي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لأسباب تتعلق بالتبعية السياسية أو الاقتصادية، وبالأخص منها الدول ذات الاقتصاديات والديمغرافيا المهمة أو التقدم التكنولوجي والنووي كالهند وباكستان واليابان وألمانيا وإيطاليا والبرازيل وإيران وتركيا، مع كل ذلك لا أعتقد أن الوضع الحالي يمكن أن يستمر طويلا، وذلك للأسباب التالية :
1. انكشاف تفرّد أمريكا وبريطانيا وفرنسا بـ'قصف' الدول 'المارقة' بمقترحات القرارات حسب ما تقتضيه مصالحها ومصالح حلفائها، واكتفاء روسيا والصين بحماية بعض حلفائهما وشركائهما الاقتصاديين مثل كوريا الشمالية وإيران من 'القصف القراراتيِّ' باستعمال الفيتو.
2. نشوب صراع سياسي واقتصادي في الخفاء والعلن بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين المنقسمين إلى مجموعتين متباينتي المصالح والتوجهات. 3. تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية وما سينتج عنه لا محالة من تغير الخريطة الاقتصادية وبالتالي الاستراتيجية بالعالم.
4. تكاثر الأزمات والنزاعات السياسية الدولية وعجز المنتظم الدولي عن حلّها، فقد تراكمت وصارت مزمنة نزاعات حدودية بالعشرات وانتشرت دعوات انفصال في مختلف القارات، ناهيك عما يحصل هنا وهناك في العالم من جرائم وإبادات، دون أن يبادر إلى منعها أو معاقبة مرتكبيها.
5. تزايد الدول 'المارقة' المعارضة للنهج الدولي الحالي وحصول (أو قرب حصول) بعضها على سلاح الردع النووي (مثل كوريا الشمالية وإيران مثلا) ينبئ بالتغير الحتمي للوضع الاستراتيجي في العالم. كل هذه الأسباب والعوامل مجتمعة ستؤدي في اعتقادي إلى حتمية تغيير المنظومة الدولية بشكل من الأشكال، أتمنى ألا يكون دمويا كما في السابق. فهل ستعقل القوى العظمى هذه المرة قبل أن يكون الأوان قد فات؟ وهل تتجنب سيناريو إنشاء 'عصبة الأمم' و'الأمم المتحدة' على التوالي بعد حربين عالميتين أذاقتا البشرية ما أذاقتاها من ويلات؟
عبد اللطيف البوزيدي-كاتب مغربي-القدس العربي اللندنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق