الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

أحدث مقال صدر للكاتب بصحيفة القدس العربي اللندنية

كلام عن مرتزقة الإفتاء السياسوي ومروجي طروحات الاستئصال
عبد اللطيف البوزيدي
18/08/2010
في المجال السياسي وبالذات في شقّيه الحقوقي والتشريعي، بيت الداء العربي المزمن، يتساءل المرء لماذا لا نملك متخصصين بما يقتضيه التخصص من وعي وعزم وهمة، وانتماء إلى حظيرة علمية، وانخراط ونزاهة وصلاح ذمة؟ لماذا نفتقر إلى متخصصين في العلوم السياسية والدراسات الاجتماعية والقانونية والتشريعية، قادرين على تكوين مجتمعات علمية ذات قيمة ومكانة يستطيعون من خلالها تصور وفرض وإنجاح المشاريع العلمية والثقافية والحضارية، لقيادة المجتمعات العربية إلى نهضة تأخرت كثيرا ولا مؤشر على قيامها في القريب المنظور؟ مع أن بإمكان هؤلاء العلماء والمتخصصين، متى سمح لهم بالوجود والبروز ومنحت لهم حرية وإمكانات التطور، والارتقاء بتصور وصياغة وقيادة المشاريع الإنمائية والحضارية، بإمكانهم أن يُخرِجوا الدول العربية من حالات الانهيار أو الركود السياسي والفوضى التشريعية والدستورية، وأن يدفعوا كمجتمع علمي قوي ومتماسك إن وُجِد، في اتجاه إصلاح الأنظمة القائمة، بعد إصلاح المنظومة العلمية واستعادة مكانة العلم والعلماء طبعا.
ولنا مثال صارخ بالمجال السياسي الإعلامي في تكاثر 'المتخصصين' في شؤون الحركات الإسلامية، بحيث صار عددهم يفوق بأَضعافٍ أعداد الفضائيات المتخصصة أو المتجنية بدورها على التخصص، فما كدنا نستفيق من الذهول الذي سببته لنا افتتاحية إحدى صحف المهجر حول مسؤولية تنظيم القاعدة جملة وتفصيلا عن كل ما يجري بالعراق و'التبييض' المفضوح الذي قامت به تلك الافتتاحية ومثيلاتها لذمة الاحتلال الأمريكي الغربي والمتعاونين معه وكذلك ذمة دول الجوار (انظر مقالا للكاتب في الموضوع في القدس العربي عدد 6498 في 30/04/2010)، حتى فاجأنا متخصص آخر في شؤون الحركات الإسلامية بالذات، مغربي هذه المرة، مع كامل تحفظي على مصطلح 'التخصص' غير الميداني الذي كثيرا ما تصف به بعض المنابر الإعلامية متحدثيها ومدعويها، وكأن التخصص في شؤون تلك الجماعات هو آخر ما ينقصنا من تخصصات لنتقدم ونتطور ونبلغ مصاف الدول والشعوب الأرقى، أو كأنه تخصص حقيقي ونافع ومستوف لشروط التخصص، بينما هو لا يعدو أن يكون تخصصا عن بعد، وليس من رآى كمن سمع وقد قيل قديما 'شرّ البليّة تمَشْيُخُ الصُّحُفِيّة' أي ادّعاء التخصّص من لدن من اقتصر اطلاعه على الكتب ولم يخبر الميدان وتفاصيل وأبعاد المشكل وتعقيداته، فاجأنا ذلك الباحث بدرجة وثوقيته في استعمال مصطلحات بعينها ما زالت مثار جدل جهوي ودولي كمصطلح 'الحركات المتطرفة'، الذي أطلقه على عموم الحركات االإسلامية من دون تمييز بين المقاومة منها أو السرية أو المحظورة أو المنخرطة في العمل السياسي بشكل رسمي، ومصطلح الإرهاب الذي وصم به في تعميم غريب كل الحركات الإسلامية، وطفق يستعمل مصطلح 'الحركات المتطرفة' على طول مقاله المتمحور حول استعمال المتطرفين شبكة الإنترنت، قاصدا بالمتطرفين 'كل المجموعات المصنفة إرهابية من لدن الولايات المتحدة الأمريكية'، كل هذه التسميات المجانبة للواقع كان بإمكانه تفاديها لو اكتسب موضوعية المتخصص فعلا، فالمصطلحات 'على قفا مين يشيل' وهناك مثلا مصطلحات أكثر موضوعية للتمييز بين الحركات وتفادي التعميم المتحامل، كمصطلحات: الحركات المتمردة والحركات السرية وحتى الحركات المعارضة أو الحركات المقاومة، وقد أتى هذا الاستعمال غير السليم للمصطلحات رغم تأكيد الباحث في بداية مقاله 'هلامية عبارة التطرف ذاتها وعبارة الإرهاب أيضا'، ولم يستثن حركات إسلامية كحركة المقاومة الإسلامية حماس وحزب الله والحركات المحظورة كحركة الإخوان المسلمين وجبهة الإنقاذ والعدل والإحسان وغيرها، كما استعمل الباحث عبارات أخرى قصد بها التعميم على كل الحركات، عبارات مثل 'التنسيق للعمل الإرهابي' و'أطروحة الجهاد والعنف هو السبيل الأنجع لبلوغ الأهداف وإدراك الشهادة' إذ نلاحظ ربط الجهاد بالعنف في حشو واضح ما دام الجهاد قتالا وينبغي أن يكون عنيفا، كما نلاحظ تبخيس المقاومة والحط من مكانة الجهاد، من واجبٍ وفريضة إلى مجرّد أطروحة.
يعود الأمر هنا مرة أخرى إذا استثنينا ليَّ عنق الحقائق خدمة للقبضة الأمنية وعلى هوى الأنظمة، يعود الأمر في تفشي فوضى 'الإفتاء السياسي والأمني' إلى انعدام التخصص العلمي، الفعلي والموضوعي والمؤطَّر في مجتمعات علمية محلّية ومراكزِ بحثٍ ودراسات، ليس لأننا لا نستطيع، فلدينا نحن العربَ ما يقارب المئتي جامعةٍ ومعهدٍ وما يفوق الألف مركز دراسات وبحث علمي، بل لأن أنظمتنا بطبيعتها لا تريد تفعيل تلك المؤسسات ولا تملك مقومات إرساء وإدارة مشاريع سياسية وحضارية على أسس علمية حقيقية، فهي أنظمة 'هلوعة'، من العلم والعلماء والمنورين 'جزوعة'، يشكِّل الهاجسُ الأمني لديها أولويةَ الأولوياتِ، لأنها في معظمها لا تخرج في نظري عن أصناف ثلاثة: 1. أنظمة انهارت ولم تقم لنظامٍ بعدها قائمة في البلد، ولم يَخلُفها إلا التشرذم والانفصال كما في الصومال، أو الطائفية والشقاق كما في العراق. 2. أنظمة عسكرية أو منصّبة من العسكر، لم تقم أبدا كأنظمة مدنية شرعية، تجعل من سلطة الرئاسة المهيمنة على باقي السلطات، ستارا للوبيات سياسية أو طائفية أو لوبيات مصالح اقتصادية ومالية تتخذ النظام برمته مطيّة ونوعاً من حصانِ طروادة لتعطيل أي مخاض سياسي أو حقوقي أو تشريعي أو علمي وفكري حقيقي، يُنذر بانقلاب في الرؤى والتصورات، ويعجل بتغييرٍ لا ترغب فيه تلك الأنظمة وهي التي تثلث وتربّع وتُؤبّد الولايات الرئاسية وتُنصِّب وتورِّث بالذات لتتفادى ذلك التغيير 'البعبع'. 3. أنظمة ريع ورعايا، بدّدت وما زالت ثروات شعوبها المكدّسة بصناديقَ تُنسَب إلى السّيادة والأصحُّ نِسبتها إلى التسيُّد والأسياد، أسياد القرار والمال والمصير والمآل، أنظمة أفضَت ببلدانها إلى سوء توزيع الثروة وتبديدها واختلال التوازن السكاني وخلخلة التركيبة الطائفية، ناهيك عن مشاكل 'البدون' جنسية، ومعضلة ارتهان سياساتها وقراراتها للوجود الأجنبي بقواعد عسكرية أزلية.
كان هذا تصنيفا شخصيا للأنظمة العربية اعتمادا على خصائصها ونواقصها المشتركة، ولمن يرغب في تصنيف أكثرَ تخصُّصاً أن يعود إلى التقرير السنوي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان الصادر مؤخرا (انظر ملخصا عنه بالقدس العربي ليوم 28/07/2010)، تقرير صنف الدول العربية إلى دول تعاني على مستوى تقرير المصير كالعراق وفلسطين، وأخرى تعاني على مستوى السلم الأهلي ووحدة التراب الوطني كالسودان والصومال واليمن، ودول كثيرة أخرى متعثرة على مستوى الإصلاح والانتقال الديمقراطي وعلى مستوى 'خيارات التنمية والسياسات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي العربي بين أزمتين عالميتين، عصفت أولاهما بنصف أموال الصناديق السيادية العربية، وتتجمع نذر أخراهما في آفاق الاقتصاد العالمي'.
هي إذن صورة قاتمة ترسمها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي الرابع والعشرين، صورة تفسر إلى حد بعيد هزالة التخصص العلمي وقلة الاهتمام بالبحث والباحثين والدراسات والدارسين من قِبل الأنظمة العربية.
وعودة إلى أسباب تهميش التخصص والبحث العلمي وتحجيم مكانة وأدوار العلماء والباحثين والمتخصصين، كنت قد خمنت أن أسباب ضعف المستوى في هذه المجالات يمكن أن تتراوح بين ندرة التخصصات العلمية وكذلك نفور الطلبة والأسر العربية عموما من التخصص في مجالات اقترنت في المخيال الجمعي بالاختطافات والزنازن والتعذيب والجريمة السياسية وكل المآسي التي كانت وما زالت تنجم عن الخوض في المجالات السياسية أو الحقوقية أو التشريعية بالمنطقة العربية، إضافة إلى تعطيل أو منعِ الأنظمةِ البحثَ في مجالاتٍ تعتبرها مجلبة لوعيٍ 'شقيٍّ' لا يخدم البتةَ مصالح المستبدين بالسلطة والمتمسكين بها.
غير أن تخميناتي لم تكن دقيقة ولا شاملة دقة وشمولية الأسباب التي ساقها البروفيسور المصري الأصل رشدي راشد الذي يشغل منصب مدير الدراسات بالمركز القومي الفرنسي للبحث العلمي، والحائز أشهر الجوائز والميداليات العلمية بالدول المتقدمة، والذي استضافته قناة الجزيرة في برنامج 'بلا حدود' لأحمد منصور.
يُجمِل البروفيسور راشد 'العوائق التي تقف في وجه العلماء والباحثين العرب في العوائق الايديولوجية التي تضعها الأنظمة في طريقهم، والتدهور المقصود لوضعهم الاجتماعي وأحوالهم المادية والتقليص المتعمد لإمكانات تمويل دراساتهم وأبحاثهم، ومعاملتهم كرعايا لا كمواطنين، وغياب مشروع حضاري نهضوي، وانعدام سياسة علمية، وعدم تبلور مجتمع علمي قوي ومتماسك، والأهم من هذا وذاك حسب البروفيسور راشد عدم اعتماد اللغة العربية في تدريس العلوم وفي الدراسات الجامعية، إذ لاحظ محقّا أن دولا كاليابان والصين وألمانيا وغيرها لم تكن لِتنهَضَ لولا استعمالها اللغة الوطنية إلا فيما ندر أو فيما تعذر.
فهل من مُصغٍ إلى أمثال هؤلاء المتخصصين 'بصح وصحيح'؟ أم أننا سنكتفي بالتحليلات الهامشية والدعائية لمرتزقة الإفتاء السياسوي ومروجي طروحات الاستئصال، المتخفين وراء مزاعم محاربة الإرهاب؟
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية برئاسة تحرير عبد الباري عطوان.

السبت، 14 أغسطس 2010


زقزوق على خطى السادات وماهر!
14/08/2010
أثار إعلان حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري عن عزمه زيارة القدس المحتل، ردودَ فعلٍ دينية وسياسية غاضبة، واتضح مجدّدا التباين الكبير الحاصل في الآراء والتوجّهات والاجتهادات بين علماء المسلمين، وبالضبط بين العلماء المستقلين المحايدين وعلماء السلطة وأجرائها من محترفي السياسة، بما تعنيه من تهميش وتبخيس لدور الأخلاق والأعراف والقيم في قيادة الأمم والشعوب، عكس ما تقتضيه أدوارهم كعلماء دين يفترض فيهم القيام بواجبهم التوجيهي الذي يسعى إلى تطويع المواقف والقرارات السياسية لتنسجم مع المقتضيات الشرعية والأخلاقية وتوافق منظومة القيم وليس العكس. يقول السيد زقزوق مغرّدا خارج السّرب، في ما يشبه نوعا من فورة 'عِزّة بالإثم': 'أتحدى المزايدين وأصحاب الشعارات أن يناقشوني دينيا في هذا الأمر' وكأن زيارته ستخرج عن نطاق الشعارات التي يذمُّها، أو كأنه مقبل على فتح القدس وتسلم مفتاحها! أو ربما ظنّ بسذاجة غير المختصّ أنه يمسك الورقة الرابحة والتبرير الأمثل لفعلته وشبهته المجّانية التي تعتبر في حدّ ذاتها مزايدة من العيار الثقيل، فمن يزايد على من؟ أليس في إعلان السيد زقزوق زيارة القدس مزايدة على كلّ من ينتظر منه ومن غيره زيارة المحاصرين المجوّعين من نفس الشعب بغزة أو على الأقل فتح المعابر أمامهم؟
كان حريا بحمدي زقزوق ومحمود الهباش وزير أوقاف السلطة الفلسطينية، الذي هرع إلى تأييد الزيارة المشبوهة، في ما يشبه التنسيق المسبق بين الرجلين، وبالتالي بين السلطتين المتهالكتين في البلدين، كان حريا بهما أن يزورا غزة كما يفعل الأحرار من عرب وأتراك وعجم، ولكنهما لم يفعلا، ولن يفعلا، لأنهما يفضّلان طلب تأشيرة من العدو الصهيوني يعلمان أنّه يمنحها بصدر رحب إلى كلّ من يمنحه في المقابل فرصة الظهور بمظهر من يحترم الحرّيات الدينية، بل أخطر من ذلك فالرجلان يوجهان رسالة سياسية خطيرة مفادها أن الاحتلال الصهيوني للقدس لا يشكل أي مساس بحقوق المسلمين أو المسيحيين في ممارسة شعائرهم، وبالتالي فلا بأس من القبول بدولة فلسطينية مرقعة ومقزّمة مع بقاء القدس والأماكن المقدّسة تحت الوصاية الإسرائيلية.
كانت واقعة زيارة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهي في قبضة المشركين بعد صلح الحديبية، هي الورقة التي أشهرها حمدي زقزوق مزهُوّا في أوجه كبار علماء وأئمة المسلمين، الذين حرّموا زيارة القدس وهي تحت الاحتلال واستهجنوها واستعرّوا منها، أمثال الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والشيخ حامد البيتاوي رئيس رابطة علماء فلسطين والشيخ أحمد حسون مفتي سورية وغيرهم كثير. كيف يمكن أن ينطلي على أمثال هؤلاء العلماء الأفذاذ هذا النوع من القياس المختل وغير الجائز لوجود الفارق؟ لذلك ربما لم يجادله الشيخ أحمد حسون كثيرا واكتفى بالقول: 'إن الزيارة تحت هذا البند مرفوضة تماما، لا تجوز بحالٍ، وأهلُ مكّة كانوا سُكانها الأصليين ولم يكونوا مغتصبين للأرض كالصهاينة، وشَتانَ ما بين الموقفين'.
وجدير بالتذكير أن مثل هذه الزيارة المشبوهة التي ينوي زقزوق القيام بها إلى القدس تحت حراب المحتلين ليست الأولى من نوعها مصريا أو عربيا، فقد سبقه إليها الرئيس السادات، المطبّع الأول الذي دفع حياته ثمنا لتلك الزيارة على ما يبدو، وكذلك وزير الخارجية المصري أحمد ماهر الذي انهالت عليه 'شباشب' المقدسيين يوم صلى بالأقصى، وبالكاد نجا بجلده تحت حماية قوات أمن الاحتلال، وتوالت زيارات المطبّعين من سياسيين وإعلاميين ورياضيين وفنانين وحتى مدرّسين ولم يجنوا سوى الخزي والعار، ولم ينجحوا أبدا في تجميل وجه الصهيونية القبيح كما اعتقدوا، لذلك فزيارة زقزوق أو غيره من المهرولين ولو كانوا بالملايين لن تُغيّر من واقع أن القدس محتلّة وأن في زيارتها في كنف المحتل ذلّة ومهانةٌ ورضاً بواقعِ عُسف وغصب وتسويغ له، ما لم يكن المتوجّه صوبها يقصد محاربة المحتلّين. لا أريد هنا أن أكتفي بتحليل ملابسات هذه الزيارة المشبوهة أو النظر في جوازها من عدمه، بقدر ما أتوخى وضعها في سياقها العام أي سياق أحداث الشرق الأوسط والصراع مع الصهيونية ومناصريها والمطبعين معها، إذ يجدر أن نتساءل عن الهدف من الإصرار على تلك الزيارة التي يعلم زقزوق ونظامه مسبقا أنها مرفوضة شرعيا وشعبيا، فلا بدّ أن يكون هناك سبب وجيه يستحق أن يغامر من أجله نظام هش ومتهالك، السبب هو في اعتقادي مرتبط أصلا بمنع انهيار النظام عن طريق تقديم أكبر قدر من الخدمات لأمريكا ومرعيتها إسرائيل أملا في مساعدتهما وفي انخراط مخابراتهما إيجابيا في تيسير عملية نقل السلطة بمصر، أو على الأقلّ عدم استغلالها لزرع البلبلة تمهيدا لتقسيم مصر لا قدّر الله.
زيارة زقزوق ليست إذن إلا استمرارا لمسلسل التنازلات والخدمات المصرية لأمريكا وإسرائيل، والتي تكثفت بشكل غريب في الأعوام الأخيرة إلى درجة استحالة تذكّرها كلَّها، لذا أكتفي منها بذكر خدمات وتنازلات مثل بناء جدار المهانة الفولاذي لتشديد الحصار على الفلسطينيين بغزة وخنقهم ومصادرة الأموال والمساعدات الموجهة إليهم، والتحيز في الوساطة بين الفلسطينيين ثم وقفها ورفض الوساطة التركية المقترحة، وبيع الغاز بثمن بخس للصهاينة، وحماية حدودهم المصطنعة من العمال الأفارقة إلى درجة قنص المتسللين منهم كالأرانب على طريقة قنص الصهاينة لبدو سيناء والجنود المصريين... والسماح بعربدة السفن والغواصات الإسرائيلية والغربية جيئة وذهابا بقناة السويس رمز السيادة المصرية... كل هذه الخدمات والتنازلات التي تفضّلها أمريكا 'مؤلمةً' كتعبير عن الإذعان أو ما تسميه حسن النوايا، ما هي في المحصلة سوى نوع من الاستعطاف السّاذج الذي لا يأخذ بالحسبان براغماتية الأمريكان وغدر الصهاينة المجبولين على نقض العهود والمواثيق، وهو استعطاف انطلق منذ اتفاقية كامب ديفيد واشتدّ وبلغ مداه منذ أن أحسّ النظام المصري أنه صار مكشوفا وأنه قد وصل إلى نقطة اللاعودة واللارجعة في علاقته بشعبه وبالأمتين العربية والإسلامية.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - صحيفة القدس العربي اللندنية



أحمد رجب البرغوثي - أريد زيارة الاقصى وشقيقتي المريضة في القدس
أنا مواطن فلسطيني عمري42 سنة مقيم في رام الله أي على بعدمئات الامتار من القدس ولم أتمكن من دخول القدس للصلاة ولا لزيارة شقيقتي المتزوجة والمقيمة هناك والتي تعاني من المرض,رغم محاولاتي المتكررة منذعشر سنوات !! وغالبية الفلسطينيين المقيمين في الضفة وغزة يعانون ما اعانيه من عسف وقمع وتجبر الاحنلال الغاشم. انني أتوجه بالرجاء الى السيدين الهباش والزقزوق ان يوجها لي دعوة لزيارة القدس الحبيبة وزيارة شقيقتي طالم يملكان المقدرة (والمونة) على ذلك رغم أنف الاحتلال.



الأربعاء، 11 أغسطس 2010

وقود الإمبراطورية ونهاية تزييف التاريخ
عبد اللطيف البوزيدي
12/08/2010
ينبئنا التاريخ بقاعدة ثابتة مفادها أنّ الإمبراطوريات تنشأ وتتمدد وتقوى حتى إذا بلغت قوتها حدّا معينا بدأت لديها 'المراحل العكسية' من انكماش وتفكك، وذلك في ظاهرة تكررت في شتى بقاع العالم وفي كل الأزمنة، ولا مناص من أن تواصل تكرار نفسها، رغم ما قيل وما بُثَّ في الأذهان عن نهاية التاريخ التي لا تعدو أن تكون في نظري أكثر من محاولة من مفكرين أمريكيين، وعلى رأسهم فوكوياما، لإمداد الإمبراطورية الأمريكية بالوقود الايديولوجي اللازم لإطالة أمد مرحلة القوة أو بالأحرى مرحلة الاستقواء، وبالتالي تأخير مرحلة الانكماش وباقي المراحل العكسية. غير أن هناك أسئلة جوهرية حول موضوع الإمبراطوريات لا يمكن أن نجد لها إجابات جاهزة في كتب التاريخ، أسئلة لا تكفي الأحداث والوقائع التاريخية مجرّدةً، لإلقاء الضوء عليها بما يستقيم مع المنطق، ويبدّد أي غموض أو تناقض، وينزع عن الأحداث 'عجائبيتها' التي يمكن أن تشكّل عائقا أمام فهم أعمق وأوضح للظاهرة التاريخية، أسئلة كثيرة تبقى مطروحة في موضوع الإمبراطوريات يتطلبُ إيجاد إجابات لها استقراء الأحداث والوقائع التاريخية، بعيدا عن تحليلات وآراء معاصريها أو المعنيين بها، وفي ضوء ما سبقها وما تلاها من أحداث، ولكن أيضا باستغلال أيِّ اكتشاف جديد ذي صلة بمناهج وأدوات البحث العلمي، في التشريح والبيولوجيا الوراثية ورصد الآثار بالأقمار الاصطناعية، والفيزياء النووية وبالأخص منها ما يتعلق باختبارات الكربون 14 التي ما فتئ التطور فيها يقلص هامش الخطأ في تحديد عمر القطع الأثرية والهياكل البشرية، مما قد يساعد على كشف بعض من ألغاز التاريخ حول نشأة الإمبراطوريات وأسباب انهيارها، فالبشرية بلغت مرحلة لا مثيل لها من حيث الكشوفات والاختراعات والتقدم العلمي والتقني، وبدأنا بالفعل نكتشف مثلا أن الإمبراطورة الفلانية لم تنتحر وإنما ماتت بلدغة أفعى، وأن الفرعون الفلاني مات جراء مرض معين ولم يُقتل كما كان يعتقد، وأن مدينة كذا كانت أكبر مما يعتقد أو أنها لم تكن مركزاً تجاريا، واتضح أن التاريخ ينطوي على مناطق ظل كثيرة تحتاج إلى استكشاف، وتبيّن أنّ تاريخ الإمبراطوريات بالذات يطرح من الأسئلة أكثر مما يجيب عنه. وإذا كان معلوما أن الإمبراطوريات تنشأ معظمها إذا تهيأت ظروف معينة، وباستعمال قوة السلاح للغزو أو فرض العهود والمواثيق، وأنها تحتاج في الغالب مع القوة العسكرية والاقتصادية إلى إطار ايديولوجي يسوغ لمركز الإمبراطورية التوسّع والسيطرة على الأطراف أو الأقاليم بفرض نوع من التخلي عن السيادة وقبول الحماية والولاء الطوعي، فإنه مازال على الباحثين إن أرادوا مزيدا من 'التقعيد' النسبي لظاهرة الانهيار الحتمي للإمبراطوريات أن يقدموا إجابات لأسئلة مثل: متى تموت فكرة الإمبراطورية، وهل تموت أصلا كفكرة؟ بمعنى هل تبلغ الإمبراطوريات إذا ضعُفت مرحلة التفكك والأفول النهائي، أم أن مركز الإمبراطورية (نَواتها) غالبا ما يُعيد الكَرَّةَ حين تتغيّر ظروفُ وتتهيأ أخرى، فيتجاوز مرحلة الانكماش ليعود بالإمبراطورية من جديد وإن طال الزمن إلى مرحلة التوسع والاستقواء، ولو تحت مسمى جديد؟ لا يمكن في اعتقادي، مع بقاء إيطاليا وإيران واليونان وتركيا مثلا أن نعتبر الإمبراطوريات الرومانية أو الفارسية أو الإغريقية أو العثمانية أو حتى الإمبراطوريات الاستعمارية الحديثة كإسبانيا وبريطانيا واليابان وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وروسيا، إمبراطوريات بائدة، لأن بقاء المركز- النواة لكلّ منها وعدم تفككه يبقي قائما إمكانية انتقال هذه الإمبراطوريات مجدّدا من مرحلة الانكماش أو الكمون، التي هي فيها الآن إلى مرحلة التوسّع والاستقواء، ما لم تتعرّض قبل ذلك للتفكك كما ينذر بذلك الوضع المتأزم بين العِرقيات في بلجيكا وإسبانيا وروسيا وحتى فرنسا، باعتبار تفاقم أزمة الفرنسيين من أصول أجنبية.
ونحن نرى كيف أن بعضا من هذه الإمبراطوريات ما زال يحتفظ بمستعمرات ومناطق نفوذ بعيدة، كما تفعل فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، وتدافع بشراسة عن وجودها بتلك المناطق والمستعمرات، رغم التكلفة الباهظة لوجودٍ يبدو كماليا، لكنه بالنسبة إليها يمثل ضمانة لاستمرارية الإمبراطورية وتفادي انزلاقها إلى الانكماش أو التفكّك، بل إنه 'الوقود الاستراتيجي' للإمبراطورية، في مقابل ما يلزمها من وقود ايديولوجي واقتصادي وعسكري. ورغم كونها إمبراطورية 'غير أصيلة' أو ما يشبه إمبراطورية اصطناعية هجينة،
لا تخرج الإمبراطورية الأمريكية عن التصنيفات السالفة الذكر. ولأنها إمبراطورية بلا 'مركز- نواة' ما دامت نِتاجَ السطو على قارّة وإبادة سكانها الأصليين وتقسيمها بعد التطاحن حولها إلى ولايات (بالمسطرة والقلم)، وليست نتاجَ ضم أو التحام دولٍ أو أقاليم عريقةٍ، فإن أخشى ما تخشاه الإمبراطورية الأمريكية هو نفاذ وقودها الاستراتيجي ووقودها الايديولوجي، لأنها ستنزلق في تلك الحالة مباشرة من مرحلة التوسع والاستقواء (المتذبذب) التي هي عليها حاليا، إلى مرحلة التفكّك النهائي، من دون المرور بمرحلة الانكماش لعدم وجود مركز بحجم جغرافي وسكاني محدود يمكن أن ينكفئ على نفسه، كما أنه يصعب تصور أن تنكفئ على نفسها قارة بأكملها كأمريكا.
لذلك دخلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية القرن الماضي في سباق محموم ومتواصل للحيلولة دون نضوب وقود إمبراطوريتها الاستراتيجي-العسكري والايديولوجي أيضا (أو ربّما لتخصيب وقود الإمبراطورية أحيانا)، فشاركت في الحربين العالميتين الأولى والثانية وخاضت الحرب الكورية وحرب فيتنام وتدخلت في نيكاراغوا وبنما ولبنان والصومال واعتدت على مصر عبد الناصر والقذافي وحوثيي اليمن وقبائل باكستان، وهي اليوم بصدد خوض حربين متزامنتين في العراق وأفغانستان، وتقول عن حرب العراق بأنها 'حرب غير ضرورية' لأن الأكذوبة الايديولوجية المتمثلة في رغبتها بنشر الحرّية والديمقراطية لم تنطل على أحد، بينما تصف حرب أفغانستان بالحرب الضرورية لأن أدلجة الإرهاب ما زالت عملة رائجة.
إنّ محاولات الولايات المتحدة تأسيس 'الإمبراطورية الشاملة المُعولَمة' ستفشل لا محالة فشلا ذريعا بدليل فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير وكافة مشاريع الهيمنة على المدى الطويل. وما وهم نهاية التاريخ إلا فرية عكسها هو الصحيح، إذ يمكن القول إن البشرية قد دخلت عهد 'بداية التاريخ غير المزيف' لذلك فالأجدر أن نتحدّث بالفعل عن 'نهاية تزييف التاريخ' بدل الحديث عن 'نهاية التاريخ'، نهاية إمكانية تزييف التاريخ ستسهم فيها عوامل عدة من بينها: سنّ العديد من الأنظمة قوانين تقضي برفع السرية عن الوثائق السياسية والعسكرية بعد انقضاء فترة معينة. التطور العلمي والتقني في وسائل الاتصال والأجهزة والأنظمة المعلوماتية وفي تسجيل وحفظ ونقل المعلومات والمعطيات التي تجعل من ملايين المتتبعين عبر العالم شهودا وموثقين، وتجعل منهم بالتالي مؤرِّخين بشكل من الأشكال. ونحن نرى اليوم كيف أنَّ صحيفة مرموقة أو قناة متخصصة أو حتى موقعا إلكترونيا جريئا، يمكنه أن يكشف ما تحرص على إخفائه أقوى الأنظمة وأشهر الأنظمة الاستخبارية.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس االعربي اللندنية

السبت، 7 أغسطس 2010


قناة العربية تتنفس الصعداء! وجيزيل خوري وحافظ الميرازي في حالة شرود كان يوما استثنائيا على قناة "العربية"، وكانت أسئلة مذيعيها لضيوفهم وخصوصا منهم الروس والسوريين في حدّ ذاتها إجابات واثقة أكثر منها استفسارات تحتمل الإيجاب أو السلب. بدا المذيعون والمذيعات جميعهم غير قادرين على تمالك أنفسهم أو إخفاء حماسهم الزائد. " لا بدّ أنّ شيئا ما حدث على الساحة الدولية ليتصرّفوا على هذا النحو، شيء ما حدث دون أن أعلم به من فرط انشغالاتي المهنية، لهف "العربية" على ملاحقة أخبار إيران وسوريا ومن والاهما ،حتى التافهة منها، ليس بجديد، لكنه هذه المرة لا يبدو لهفا "على الفاضي" ككل مرة، والمشكلة أنني كنت تلك الليلة ملزما بانتظار التوضيحات على نفس القناة، فقد اقتحم عليَّ موظفو الفندق خلوتي بدعوى أن من أقام بالغرفة قبلي كان قد وقع في المحظور وأضاف قناة الجزيرة إلى القائمة، مما عطَّل باقي القنوات بجميع غرف الفندق، وبذلك "وجَب" حذف الجزيرة من القائمة لتعود الأمور إلى نصابها، أي إلى العتمة. لابأس، قلت في نفسي بعد مغادرة الغرفة من قِبَل وحدة التدخل السريع والوقاية الإعلامية للسياح، لا بأس، سأكتفي بالعربية على أن أجري كعادتي التعديلات اللازمة على خطها التحريري المائل لاستنباط الخبر اليقين، غير مقتنع باتهام الجزيرة ‘تقنيا’ بمزاحمة ترددات القنوات بعد اتهامها ‘إعلاميا’ بمداهمة الشأن الداخلي للأنظمة و‘تجاريا’ باحتكار بث كأس إفريقيا وكأس العالم رغم مساهمتها في كسر الأسعار ووقف جشع قنوات "لارياضية" شهيرة. لو لم تكن شركات الاتصالات على غرار شركات الأدوية بالمغرب من الشركات الأقل وطنية في العالم، بدليل أن أسعار الاتصالات والعلاج لدينا هي من بين الأعلى في العالم بأسره، لتمكنت تلك الليلة باستعمال الإنترنت من فك الحصار المضروب على الجزيرة بذلك الفندق على الأقل. لكن رداءة الخدمة لم تمكّنّي حتى من ولوج مواقع الصحف فبالأحرى التقاط البث الفضائي الذي يتطلب صبيبا أكبر، مع أن شركات الاتصالات تلك تحقق مجتمعة أرباحا سنوية بملايير الدولارات، نعم بملايير الدولارات! أخيرا أطلّ أحد مذيعي العربية مزهُوّاً ليبدّد حيرتي :" أحمدي نجاد يُحوّل نيرانه إلى روسيا، وموسكو تردّ بقوّة." و"سوريا تقيم مشروعا لاستجلاب مياه نهر دجلة بتمويل كويتي ومباركة تركية". هكذا إذن ظهر السبب وبطل العجب، وصدق إحساسي بأن نبرة العربية مختلفة هذه االمرة عن المعتاد، وأنها وجدت أخيرا أخبارا ذات قيمة تعفيها من إجهاد طواقمها في شيطنة سوريا، و توضيب وتفجير ثورات إيرانية متتالية باستوديوهاتها، فأحمدي نجاد قد حوّل نيرانه المألوفة (كالتِّنِّين) إلى "حليفه" الروسي، مع أنّ تلك النيران لا تعدو أن تكون مجرّد تصريحات تتمسّك بحقّ مشروع أو تحذيرات للغرب المتحيّز أو في أقصى الحالات وعيدا للكيان الصهيوني الغاصب. أما سوريا فقد "اقترفت" ما يتعدى مجرد الممانعة وما يمكن استهجانه في العلن، لقد أقدمت على المساس بحق من حقوق العراق الذي تتباكى عليه "العربية" أكثر من العراقيين أنفسهم، بينما تستمرّ في شيطنة مقاومته وزعيمه الخالد. وقد أطلعتنا القدس العربي بتفصيل في إحدى افتتاحياتها مؤخرا على آخر صيحات أساليب الشيطنة التي مورست ضد العراقيين وزعيمهم، شيطنة كفَّ عنها الغرب البراغماتي النّفعي بمجرّد الإطاحة بصدام واغتياله شنقا، بينما لم يكفَّ عنها إلى الآن بعض السياسيين والإعلاميين العرب الحاقدين. وفي هذا الصدد عزّزت قناة العربية فتوحاتها الإعلامية لتلك الليلة بتقرير مصوّر ومفصّل عمّا أسمته "معاناة" شبيه صدّام، ذلك المصري الذي أكدت أنه "مصري بسيط"، أي لا خطر منه، وأنه ما زال يتلقى عروضا بتمثيل دور صدّام في أفلام إباحية للإساءة إليه وللحيلولة طبعا دون تحوُّلِه ولو بعد مماته إلى زعيم ومرجع قومي بلا منازع. ألِهذا الحدّ كان الشهيدُ وما زال غُصّة في حلق بعض العرب قبل العجم؟
تساءلت يومَها عن سرّ عدم توسيع "العربية" فتوحاتها الإعلامية لتشمل حزب الله مع أنّه ليس من عادتها إغفاله لدى الحديث عن إيران أو سوريا، ولم تتأخر كثيرا إجابتها على تساؤلي، ففي اليوم الموالي تابعت (بشغف، أعترف بذلك) إعادة لبرنامج استوديو بيروت لجيزيل خوري التي لم تَقْوَ على التألّق هذه المرة، والسبب يكمن بلا شك في ثقل وزن الضّيف الذي لم يكن غير النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني السيد نواف الموسوي ، مدعوما من حيث لم يكن يدري بطالبين لبنانيين في الجامعة اليسوعية أمام دهشة جيزيل خوري، أما المناسبة فكانت افتتاح المقاومة اللبنانية أوّل منتجع سياحي لها في الجنوب وهو عبارة عن متحف مفتوح لكل اللبنانيين. أجهدت جيزيل نفسها في محاولة إثبات أن الطالبين اللذين زارا مواقع حزب الله ضمن فوج سياحي طلابي، قد تعرضا للإغراء أو التغرير من حزب الله بشكل من الأشكال، وكانت أسئلتها من نوع : هل كان هناك بنات؟ هل دفعتم مصاري؟ لماذا اخترتم جولة إلى الجنوب وأنتم تستطيعون القيام بجولة إلى أوروبا؟ ولم يفتها إلقاء أسئلة ذات طابع "استخباري" فبدت كأنها تسعى إلى كشف شيء ما يمكن أن يدين المقاومة : هل صوّرتم؟ أين كان المقاومون، متخفين أم في بيوت؟ أجاب طالبا الجامعة اليسوعية على سيل الأسئلة بكل لباقة معبرين عن درجة عالية من الوعي السياسي، وأكثر من هذا جدّدا دعمهما للمقاومة واعتبراها شريكا للجيش في الدفاع عن لبنان. أعتقد شخصيا أن المؤهلات المهنية العالية لجيزيل خوري بدأت تتعرض منذ مدة للتآكل بسبب الخط التحريضي (عفوا،التحريري) الغريب لقناة العربية، شأنها في ذلك شأن العديد من الصحفيين المرموقين الذين يوجدون بها في حالة شرودٍ بيِّن، ولعل آخر من انضمّ إلى القائمة الصحفي حافظ الميرازي الذي طالما تألق مع "الجزيرة" من واشنطن. عبد اللطيف البوزيدي- كاتب من المغرب - مدوّنة أقلامٌ مقاوِمة

الأحد، 1 أغسطس 2010

المعارضة المصرية.. من التشهير والتلفيق إلى الاتهام بالعمالة 14/07/2010
أن يضعف نظام سياسي أمام معارضيه أمر طبيعي يحدث في كل دول العالم، وقد تكون قَوّة المعارضةِ سياسيا وشعبيا محمودة إذا كانت تخدم مصلحة البلد وتأتي بمن هم أفضل إلى سُدّة الحكم ليقع تداول السلطة ويُقدّم الخلفُ بدائلَ لما استعصى على السلف. أما أن يضعف نظام سياسي ومعارضوه على السواء كما هو الحال في مصر، فهذا ما لا يمكن اعتباره طبيعيا ولا محمودا، لأنه بكل بساطة انتحار جماعي للبلد وأقصر طريق يمكن أن تسلكه دولة ما إلى قائمة الدول الفاشلة. لماذا إذن يصرّ النظام المصري المتهالك على مزيد من إضعاف المعارضة؟ وهل يعي، في ظل ضعفه وعزلته الإقليمية وعدم وضوح آليات انتقال السلطة، خطورة إفراغ العمل السياسي من محتواه وجدواه، على استقرار مصر ووحدتها وأمنها القومي؟ لقد دأب النظام المصري منذ انقلاب حركة الضباط على الملكية، على نهج أسلوب إضعاف المعارضة، فبدأت الأحزاب المصرية تضعف تدريجيا إلى أن صارت على شفا الانقراض، وقد حلّ اليوم دور الحركات الاحتجاجية الشعبية التي صارت تُحارَب بطرق ملتوية (التشهير،التلفيق، الاتهام بالعمالة لأطراف خارجية...) عوض الانكباب على دراسة مطالبها بجدّية كما يُفترَض. ومع أن النظام الرئاسي المصري هو نتاج المؤسسة العسكرية، فقد عمِل الرؤساء المتعاقبون على التحرر من قبضة الجيش وإبقائه تحت السيطرة وتحجيم أدوار رفاق السلاح القدامى وحمَلة السلاح الجدد، في مقابل إرساء نظام رئاسي مطلق يرتكز على شخص الرئيس ويمكّنه من معظم السلطات بما فيها تعيين نسبة من أعضاء مجلس الشعب. ورغم محاولة التغطية على شمولية النظام بتأسيس الحزب الوطني، لم ينجح ذلك إلا في جعل النظام أقرب ما يكون إلى نظام الحزب الواحد، الذي يكتسح الساحة السياسية بوسائل مشبوهة غالبا، في ظل ضعف باقي الأحزاب وغياب دورها الفاعل. وكأن 'شِبهَ نظامِ الحزب الواحد' لا يكفي فقد تم العبث بالدستور، لتحويل التنافس على الرئاسة إلى استفتاء بمرشح وحيد هو طبعا مرشح الحزب الوطني. لم يُفِد مصر في شيء تحوُّلُها إلى جمهورية، إذ ما لبثت أن عادت أدراجَها (بخفي حنين) إلى ما يشبه أردأ وأسوأ أنواع المَلَكِيات، 'ملكيةٍ' شمولية وغير دستورية، يتم فيها توارُث الحُكم ماجداً عن ماجد وولَداً عن والد. ولأن السياسة كالطبيعة لا تقبل الفراغ، وخصوصا الفراغ الحزبي فقد تضافرت عوامل عدة منها ضعف النظام خارجيا وإضعافُه أحزابَ المعارضةَ داخليا ومنعُه حركة ذاتَ وزن كالإخوان المسلمين من تأسيس حزب... عواملُ أدّت مجتمعةً إلى بروز حركات مدنية وحقوقية نشيطة على الساحة، وإعلان شخصيات مرموقة نِيَتَها الترشح للرئاسة، مثل السيدين عمرو موسى والبرادعي مع اشتراط هذا الأخير تغيير الدستور، ودخوله في مواجهة حقوقية ومدنية مباشرة مع النظام المصري، الذي عمد إلى تعبئة كافة وسائله السياسية والقانونية والأمنية والإعلامية، لعرقلة نشاط تلك الحركات وتلك الشخصيات. لا أدري ما دوافع الخرجات الإعلامية للعديد من الفنانين الأكثر 'شعبوِيّة' في مصر، لا أدري إن كانت تلك الخرجات وسيلة من وسائل النظام لنزع الشرعية عن المعارضة والحد من تنامي شعبيتها، على اعتبار أن البسطاء المُفقّرين المُجهّلين وهم أغلبية الشعب يصغون أكثر إلى 'المشاهير' المنحدرين من طبقاتهم المسحوقة، أم أنها مبادرات فردية وشخصية من 'النجوم' الأكثرِ استفادةً من بقاء الوضع على حاله في مصر، لكن المؤكَّد أنها خرجات إعلامية تستهدف المعارضة وتذود بشراسة عن النظام ومنجزاته، فبعد المغني الشعبي شعبان عبد الرحيم الشهير بشعبولا، الذي شنّف سمع السيد البرادعي بانتقادات هي مجرد عتاب ساذج على 'مزاحمة' الرئيس (القدس العربي عدد6481 في10/04/2010)، ونصحه بأن 'يربط الحمار مطرح ما يقول صاحبه'، جاء دور 'زعيم' الكوميديا المصرية ('القدس العربي' عدد6544 في23/06/2010 ) الذي أبى هو الآخر إلا أن يُسمِع البرادعي 'كِلْمِتيِن' في جريدة مصرية، 'كلمتين'، هما في الأصل، موجهتين لعوامّ المصريين ولا أدلَّ على ذلك من أن السيد عادل إمام، وهو يعلم كما يعلم الجميع أن الرئيس أعجز من أن يباشر حتى مهام الولاية الحالية كما يجب، أعلن على طريقة 'الناخبين الكبار' في الديمقراطيات الغربية، نيته التصويت للرئيس إن ترشح لولاية خامسة أو سابعة أو عاشرة، لم يعد أحد يهتمّ بالعدّ، فالرجل قبع بالمنصب أكثر من اللازم بكثير.
قال عادل إمام مبديا رأيه في محمد البرادعي :'ليس كل عالم يصلح أن يكون رئيسا للجمهورية، ثم ما لبث أن تناقض مع نفسه بتأكيده أن جمال مبارك يصلح للمنصب لأنه درس الاقتصاد بالخارج وليس 'بتاع بطاطا'، وتناسى السيد عادل أنّ البرادعي أيضا درس بالخارج وهو أيضا ليس 'بتاع بطاطا' وإنما 'بتاع نووي وسياسة دولية' وبالتالي فهو الأقدر على علاج ضمور حجم مصر وتقزُّمِ دورها على الساحتين الإقليمية والدولية. لا أعلم بالضبط ما مناسبة هذه الخرجة الإعلامية والتعليقات السياسية التي حرص على الإدلاء بها 'زعيم الكوميديا العربية'، لكن الرجل بدا وكأن له ثأرا قديما مع السيد البرادعي، فقد أغضبه أن يُشَبّه البرادعي بغاندي أو مارتن لوثر من دون أن يعلم أحد ما علاقته هو بالموضوع، ثمّ ما المانع من أن يوصف البرادعي بغاندي أو مارتن لوثر ما دام مثلهما يقود معارضة سلمية للنظام؟ فعلى حدّ علمي المتواضع لم يكن أي من الرجلين قدّيسا أو نبيّا حتى يَحْرُم على البرادعي التّشبُّه بهما، فهو مثلُهما مواطن مثقّف وقف على ضعف وفساد نظام بلاده ومعاناة مواطنيه مع الظلم والتعسّف والاختطاف والتعذيب، وعاين تدهور أحوال بلده بالفقر والبطالة واختلال توزيع السلطة والثروات، مع فارق أن حالة مصر البرادعي أكثر صدما وإيلاما من حالتي هندِ غاندي وأمريكا مارتن لوثر، لأن مصر لا تعاني من احتلال كما كانت الهند في عهد غاندي ولا من ميز عنصري كما كانت أمريكا يوم انبرى مارتن لوثر زعيما للسود قبل تصفيته، وإنما تعاني مصر من نوع من 'القرصنة السياسية' قل نظيره في العالم، من لدن فئة قليلة استحكم نفوذها بفضل فرية قانون الطوارئ الأزلي فأطبقت السيطرة وخنقت الحريات بتحالف السلطة ورأس المال اللاشرعيين، وبدعم الغرب نظير خدمات وتنازلات. خاض 'الزعيم' في الهزل خلال مشواره المهني الطويل بأسلوب لا يخلو من الرسائل السياسية كتهويل خطر 'الإرهاب' الإسلامي (الإرهاب والكباب والإرهابي نموذجا) وتبخيس خطر إسرائيل (السفارة في العمارة)، وهاهو ذا اليوم يخوض في السياسة بأسلوب هزلي مضحك وإن حاول جاهدا أن يضفي عليه صبغة الجدية، وبذلك ارتقى بفنه من إضحاك العوام بالكلام البذيء وأدوار الأحول والأبله و'الصعيدي' إلى إضحاك وتسلية السياسيين والمثقفين بتصريحاته السياسية-الهزلية، فهو مثلا يحيي ويدعم مقاومة تبعد عن مصر مئات الأميال هي مقاومة حزب الله مع أن النظام اتهمها بتكوين خلية 'إرهابية' بمصر، ولو أخبره بذلك 'أولاد الحلال اللي بيقرو جرايد' لما خاطر بلسانه في مدح حزب الله، بينما يذم مقاومة أخرى على بعد أمتار من مصر هي مقاومة حماس ويرى فيها خطرا أكيدا على 'أمن مصر القومي' ومدعاة إلى إقامة جدار مهين أيّده علنا وبأعلى صوته مثلما فعل باقي أزلام النظام اللامشروطين! استمر مسلسل تناقضات عادل إمام المسلّية التي قلما يصادف المرء ذلك الكم الهائل منها مجتمعا في تعليق 'سياسي' واحد، فبينما يعترف أن هناك دولا عربية لا توفر حتى المعيشة لسكانها وعلى رأسها مصر طبعا، لا يدخر جهدا في الدفاع بشراسة عن استمرارية النظام وبقاء الريس في السلطة، وعوض أن يعتب على الريس ونظامه المتهالك، صب جامّ غضبه على الدول العربية الميسورة، من دون أن ينتقي كلامه كما نصح بذلك البرادعي، فبالنسبة إليه ربما كان على الدول التي 'لا تجد من يسكن في الأبراج التي شيّدتها' أن تفتحها لملايين المصريين المفقرين الذين يقطنون عشوائيات صارت وصمة عار على جبين النظام، حتى يتكرّم سيادته بقبول وتشريف العروبة، وإلا فلا وجود لما يسمى 'القومية العربية'.
إن أمثال هؤلاء النجوم 'الشعبويين'، وإن كان منهم من اشتهر حتى الثّمالة ومن اغتـــــنى حدّ التّخـــمة فصار يهدي القلائد الماسية المليونية، ليسوا في المحصلة سوى نماذج من الشخصية العربية العامية ما داموا لم يحظوا على غرار ثلثي العرب بحقهم في تعليم كمي وكيفي يكفل لهم الحدّ الأدنى من الاستقلالية الفكرية اللازمة لممارسة المواطَنة حقوقا وواجبات، تجدهم في كل مكان بحيث يشكّلون طبقة طفيلية عريضة تنمو كلّما ازداد النظام فسادا، طبقة يجند أعضاؤها بعضهم البعض لضمان 'خدمات' سرية وآمنة للأنظمة الفاسدة، فينتشرون كالنار في الهشيم بدواوين الوزارات ودواليب الإدارات ويأتون على الأخضر واليابس في جميع المجالات الإدارية والــــعلمية والإعلامية والرياضية والفــــنية، بغيرما حاجة لكفاءة أو مؤهــــلات سوى انعــــدام الهِمَّة وفساد الذمَّة. وإذا ما تفاقم ضعف النظام وعجـــزه وأحسّ بخطر يتهدده ولو كان مجرد مطالبة بالنزاهة والشفافية أو التداول الديمقراطي للسلطة، أومأ إلى خدّامه هؤلاء للذود عنه بمدح فضائله وذمّ خصومه.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية

الأربعاء، 21 يوليو 2010


أثنار: خبير القلاع الأمامية والحروب الاستباقية
06/07/2010
لكي يبث نداءه العاجل الداعم لإسرائيل، اختار السيد خوسيه ماريا أثنار، رئيس الوزراء الإسباني السابق صحيفة 'التايمز' اللندنية، الصحيفة البريطانية المحافظة، ربما ليتناسب المنبر والحال مع المقال. فصحيفة 'التايمز' من أعرق الصحف الغربية، مرّ على إنشائها ما يفوق القرنين وبنت بالأقدمية 'مصداقية مشهودة' على مقاس الرأي العام الغربي طبعا، كما أنها مافتئت تعزز مصداقيتها تلك لدى رأي عام براغماتي حدّ العنصرية و'مصلحجي' حدّ التغاضي عن التلفيق والزور، بتحيُّزها الفاضح ضد القضايا العادلة للشعوب المستضعفة، إذ كانت الصحيفة سباقة إلى إثارة العديد من القضايا الخلافية والزوابع السياسية ذات الصلة بالعرب والمسلمين على الخصوص، ليتّضح فيما بعد نقص أو زيف معلوماتها ومصادرها. أليست 'التايمز' من أعادت مؤخرا إلى الواجهة قضية تسلح حزب الله وتخزين الصواريخ بجنوب لبنان وقدمت 'أدلة' سرعان ما اتضح تهافتها على غرار أدلة كولن باول الشهيرة حول برنامج العراق الكيماوي المزعوم؟ ألم تكن 'التايمز' هي من أعلنت، زورا ربما، أن هناك اتفاقا سريا بين السعودية وإسرائيل لفتح المجال الجوي للمملكة أمام ضربة جوية لإيران؟ أليست نفس الصحيفة دائمة التشهير بالمقاومين والتنظيمات المقاومة التي تنعتها بالإرهابية بلا أدلة موضوعية سوى ادعاءات الصهاينة ومَنْ وَالاهم من ساسة الغرب؟ لهذه الأسباب اختار السيد أثنار صحيفة التايمز منبرا ولكن أيضا وبالخصوص لأنها تدعم إسرائيل وبلا مواربة بافتتاحياتها الواسعة الانتشار، فقد دأبت على الْتِماس الأعذار للكيان الصهيوني بعد كل جريمة نكراء يرتكبها، ولم تتوانَ عن نصرة إسرائيل حتى عندما استعملت القنابل الفسفورية ضد الفلسطينيين المحاصرين العزل، معنونة إحدى افتتاحياتها: 'الفسفور الأبيض' إسرائيل أمة حريصة وقادرة على محاسبة نفسها' (وهو نفس المنطق الذي يتكرر حاليا في قضية التحقيق في الهجوم الدّامي لقراصنة الصهاينة على أسطول الحرية) وتضيف التايمز:'إسرائيل دولة ديمقراطية، وهي على خلاف عدد من جاراتها الدول العربية، تملك الإرادة لمحاسبة نفسها'(عن القدس العربي عدد6424 ليوم03/02/2010) علما أن 'التايمز' كانت سباقة إلى كشف ماهية تلك القنابل المحرّمة دوليا وفي نيتها آنذاك بلا شك إبراز 'عدم سريان القانون الدولي على إسرائيل' وبالتالي تعزيز هيبتها والحد من تآكل قدرتها على 'الرّدع'. كما لم تقصّر التايمز في نصرة إسرائيل عندما أهانت الولايات المتحدة برفض إيقاف الاستيطان في القدس، وكتبت في هذا الصدد:' لا ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تنسى أنّ إسرائيل تمثّل أهمية استراتيجية كبيرة...وهي شريك صعب بالتأكيد لكنّه جاد وجدير بالثقة'.
أعتبر شخصيا أن السيد أثنار، كداعم متفان ولا مشروط للكيان الصهيوني، قد أجاد اختيار 'التايمز' منبرا لمقالٍ أرادَه مُدَوِّيا، ربّما ليعيد إلى اسمه بريقه على الساحة الدولية فيرفع أسهمه (وأسعاره) في بورصة المحاضرات والاستشارات السياسية، لعله يحظى مثل نظيره البريطاني 'بلير' بصداقة عائلة حاكم تملك بلدا وشعبا كما يملك هو يَخْتاً وخدَماً. لكنّ أثنار أخطأ التقدير ولم يكن مقاله كما تَوَقَّعَهُ، فالدّعوات إلى دعم إسرائيل مثل 'الهمّ على القلب' من كثرتها ولا شك أنها ستزداد تكاثراً كما هي العادة كلّما تورّطت إسرائيل. لا جديدَ إذن في نداء أثنار، فالغرب يدعم الصهاينة بنداءات وبدونها، لكِنْ، ما الذي جعل أثنار يرى ضرورة ملحَّة في التذكير بأهمية إسرائيل الاستراتيجية بالنسبة للغرب؟ ما الذي يدفع سياسيا كبيرا متقاعدا ولا علاقة ظاهريةً له بإسرائيل، ما الذي يدفعه إلى الدعوة إلى حمايتها واعتبارها قلعة أمامية متقدّمة من قلاع الغرب بل أهمها على الإطلاق؟ لأول وهلة، يبدو أن لديه أسبابا موضوعية وجيهة منها خشيته من أن يتحوّل الموقف الرسمي الغربي من 'تجاوزات' إسرائيل من العتاب إلى العقاب، ويتحوّل موقف شعوب الغرب من الاستياء إلى العداء، خصوصا بعد قرصنة أسطول الحرية، غير أن هناك أسبابا أخرى ذاتية محضة دفعت الرجل إلى الانبعاث مجددا من رماد مستقبله السياسي الذي أتت عليه تفجيرات مدريد في 2003 ، من بين تلك الأسباب في اعتقادي : كونه يعتبر نفسه في سلة واحدة مع الصهاينة حين يتعلق الأمر بعرب أو مسلمين، فالإسبان واليهود كلاهما تعرّضا 'لغزوهم' وما زالا تحت 'تهديدهم'، ومن ثَمّ فوجود إسرائيل ضروري لإيقاف 'حملات' المسلمين القادمين من الشرق في مهدها. كونه يعتبر أن من خططوا لتفجيرات مدريد ومن نفّذوها من المسلمين إنما كانوا يستهدفونه وحكومته بالدرجة الأولى، وهذا صحيح إلى حدّ كبير، فأثنار كان من أكبر خدّام صقور البيت الأبيض ومن أشدّ المتحمّسين للحرب الاستباقية على العراق على الرغم من معارضتها من لدن غالبية الشعب الإسباني، لذلك فهو لا يرى مانعا من أن تخوض إسرائيل ويخوض الغرب من أجلها معارك استباقية، بل إن في ندائه تحريضا صريحا على نصرتها ظالمة أو مظلومة. أليس الرجل خبير حروب استباقية، ألم يكن على وشك إشعال فتيل حرب ضد المغرب من أجل جزيرة ليلى (تورة) التي يعتبرها إسبانية وهي لا تبعد عن الشاطئ المغربي إلا بعشرات الأمتار كونه أيضا خبير قلاع أمامية متقدمة، ولا بأس بل يجب أن تكون تلك القلاع مقتطَعَةً من أرض'العدو'، بمنطق الشريط الأمني، فإسبانيا تحتفظ منذ قرون بقلاع أمامية على أرض المغرب وبمياهه الإقليمية تتمثل في مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وغيرها، لذلك فالسيد أثنار لا يجد غضاضة في دعوة الغرب إلى دعم 'قلعته' الأمامية المقتطعة من أرض العدو والمغروسة في خاصرة المنطقة العربية والإسلامية.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي -القدس العربي اللندنية

كسبُ جولةٍ من جولات الصراع مع الصهيونية؟
17/06/2010
قبل الخوض في ما إذا كانت ملحمة أسطول الحرية قد شكّلت بداية منعطف تاريخي أو ضربة قاصمة لإسرائيل أو نهاية مرحلة وبداية أخرى، لنتّفق أولا ومن الآن فصاعدا أنّ تسميات الصراع الدائر منذ ما يزيد عن الستة عقود حول القدس والمقدسات وباقي فلسطين المغتصبة مثل تسمية: 'الصراع العربي-الإسرائيلي' أو 'الصراع العربي-الصهيوني'، قد أضحت تسميات بالية غير شاملة حتى لا نبالغ ونقول إنها صارت تسميات غير صالحة للأستعمال، ما دام معظم العرب قد طرحوا مسؤولياتهم التاريخية والقومية أرضا،بطرحهم مبادرتهم التي فسَّرها عدوُّهم استسلاما وإطلاقا لليد في ما تبقى من مقاومين وممانعين.
فلْنُسَمِّ الصّراعَ 'الصراع الإسلامي-الصهيوني' (نسبة إلى الدول الإسلامية وليس نسبة إلى التنظيمات االإسلاموية المثيرة للجدل)، لانخراط إيران وتركيا فيه كل بطريقته وأسلوبه الخاص الذي يزاوج لديهما -على الأقل ظاهريا أو من حيث المبدأ- بين مصلحة الأمة والمصلحة القُطرية البحتة، وقد لا نبالغ بتسميتنا الصّراع ولو مُبكّرا: 'الصراعَ الإنسانيَ-الصهيونيَ' نظرا للأنخراط الكثيف للشعوب والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني عبر العالم في دعم الطرف الفلسطيني بكل أطيافه خصوصا منذ فرض الحصار على غزة والحرب الفسفورية الجائرة عليها.
فهل جاءت 'ملحمة الحرية'، رغم ما كلّفته من أرواح توّاقة إلى نصرة الحق وإحقاقه ولو كان ثمنه الشهادة، جاءت لتعلن - بشكل متعمد ربما من الطرفين التركي والإسرائيلي فيما يشبه التحدي التركي وقبول التحدي إسرائيليا- بداية مرحلة جديدة من الصراع بالمنطقة، تتخذ من المجال الحقوقي والمدني المتنامي المكانة والنفوذ مسرحا لها، وتجعل من أدواتها فرضَ إِعْمالِ القانونِ الدولي وضغطَ المجتمعات المدنية على الحكومات؟ وهل تنخرط الأنظمة العربية في المواجهة الحقوقية المدنية والإنسانية التي ستشعل فتيلها بلا شكٍّ ملحمةُ أسطول الحرية، أم أنها ستفوت الفرصة (كما فوّتتها غداة تقرير غولدستون الأشدِّ وقْعا وإِدانة لإسرائيل) لمجرد منع 'تعاظم' الدور التركي بالمنطقة عبر نصر سياسي وحقوقي على الأقل، في وقت ما زال بعضٌ من تلك الأنظمة يبحث فيه عن مخرج لتعاظم الدور الإيراني؟ ما أشبه الصراع مع الصهيونية بمواجهةٍ في لعبةٍ تُكْسَبُ خلالها الأشواطُ شوطاً شوطاً لكسب الجولات التي تقود إلى كسب المواجهة،مع فارق جوهري طبعا أن الصراع حول فلسطين ليس لعبة بقدر ما هو صراع وجودي مصيري، ما أشبه مراحل هذا الصراع بمراحل لعبة تُرغِمُ الشُّعوبَ والقوى الحيةَ والأطرافَ الدولية كافّةً على المتابعةِ والالتفاتِ يَمْنةً ويَسْرةً وبوتيرة تتصاعد حينا وتخفت حينا لتتبع أفعال وردود أفعال الطرفين، في صراع غير متكافئ لكنه محيِّر ومشوق لأنه عصيٌّ على الحسم من هذا الطرف أو ذاك، ولأنه صراع يستمد شرعيته الدولية واستمراريته من عدالة قضية شعب بأكمله، كما يستمد الاهتمام الدائم من غرابةِ واستحالةِ استمرارِ الظُّلمِ الذي يُلاقيه الفلسطينيون والحيفِ الذي يلحقُ قضيتَهم.
وفي نفس السياق كانت'ملحمة أسطول الحرية' بمثابة نقطة ثمينة ومِفصليةً خسِرتْها إسرائيلُ ستقود في اعتقادي إلى طيّ شوط يُمَكِّنُ تركيا من كسب جولةٍ وافتتاح جولة جديدة، وربما يفيد هنا التذكير أن تركيا قد دشّنت هذه الجولة منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، في محاولة منها كسر دور الحاضر الغائب الذي طالما لعبته الأنظمة العربية حين لا تتورط علانية في التغطية أوالمشاركة أو ما يدعوه بعضها 'الشراكة في صنع السلام'، جولةٍ جديدة أعلنت عن دخول تركيا اللاعبَ الجديد إلى حلبة الصراع ولو من البوابة الحقوقية أو على مستوى تجميد العلاقات والاتفاقيات. لقد أوْقَعَت ملحمة أسطول الحرية العالم بأسره في حرج كبير، وأوقعت الجيشَ والحكومةَ الإسرائيليين معاً في فخّ 'قبول التحدي التركي والدولي' لاعتبارهما تلك الخطوةَ الجَسورةَ على رمزيتها، قبل أن تكون أسلوبا لكسر الحصار على غزة، نوعاً من كَسْرِ الإرادة ومحاولةً للحدِّ من العربدة الإسرائيلية 'المشروعة' والتي لا تحدُّها حدود، بريةً كانت أو بحريةً أو من أي نوع آخر، فإسرائيل لا تجهل أن حَمولةُ بضع سفن مهما كبُرت لم تكن لتسُدَّ الخصاصَ المهولَ في المُؤن أو لتقضي على الأزمة الغذائية والصحية التي يعانيها قطاع غزة منذ سنوات. هذا عن أهمية مبادرة 'أسطول الحرية' التي كانت بلغة الشطرنج نقلةً يستحيل منعها، أرغمت إسرائيل على خرق كل 'قوانين اللعبة من أساسها'، أما عن الدور العربي في مرحلة ما بعد 'ضرب أسطول الحرية' فهو دور لم تتبلور بعد ملامحه بقدر ما تبلورت ملامح الموقف الشعبي، إذا استثنينا فتح مصر معبر رفح والذي لا يُعلم لحد الساعة ما إذا كان بداية لفك أحادي الجانب للحصار أم تكتيكا لامتصاص أي غضب شعبي مصري قد يجعل من تغييرالنظام المحتضر أو الإطاحة به هدفا له، وإذا استثنينا أيضا سرعة مبادرة السلطة الفلسطينية إلى إدانة الهجوم على أسطول الحرية والتي يمكن أن تُعزى إلى الرغبة في التبرُّئ من تهمة مباركة الحصار المفروض على غزة من جهة واستعادة دور 'المفاوِض' الذي بدأت السلطة تفقده أكثر من رغبتها في المواجهة والعودة إلى دور 'المقاوِم'، إذا استثنينا ردتي فعل مصر والسلطة الفلسطينية الناجمتين عن اعتبارات داخلية والتي أغلب ظني أنها ظرفية وتمويهية بل يمكن القول إنها لن تكون إلاّ انحناء مؤقتا للعاصفة التي أثارتها ملحمة أسطول الحرية والتي كانت بحق من النوع الذي لا يمكن أن يمر دون إثارة زوابع، ما عدا هذين الموقفين الدفاعيين، لا أعتقد أن ردود الدول العربية الجماعية أو الفردية يمكن أن تتعدى المألوف من مجرد الشجب والتنديد والإدانة، وفي أقصى الحالات اللجوء إلى مجلس الأمن الذي يعلمون أن إسرائيل ترفض قراراته منذ عقود بلا تبعات تذكر.
لكن بالمقابل، وحتى لا نستبق الأحداث باستنتاجات مبكرة أو سابقة لأوانها، ولكي نبقى في مرحلة طرح تساؤلات مشروعة نابعة من فرضيات منطقية، يجدر في اعتقادي أن نتساءل عن أقصى ما يمكن أن يجنيه الفلسطينيون وقضيتُهم من دخول تركيا على خط الصراع مع الصهيونية العالمية، فما الذي يمكن أن يتمخّض عن كل هذا الحراك التركي الذي سبق وأعقب الهجوم الإسرائيلي الدامي على أسطول الحرية، من تصريحات نارية مباشرة واجتماع لرئيس الوزراء السيد أردوغان مع وزير دفاعه والقائد الثاني للجيش التركي وكذا اجتماع مجلس الأمن القومي التركي الذي تدارس الوضع استثنائيا من بين ما تدارسه، ناهيك عن إلغاء أو تجميد الاتفاقيات الاستراتيجية العسكرية لتركيا مع الكيان الصهيوني وحتى طلب اجتماع حلف النيتو ومجلس الأمن الدولي؟ بعبارة أخرى ما الذي سيجنيه الفلسطينيون غير التباعد 'المحمود على كلّ حال' بين تركيا وإسرائيل وعودة العلاقات بينهما إلى نقطة الصفر؟ وهل يمكن أن يتمخض عن تبعات ملحمة أسطول الحرية فك الحصار على قطاع غزة حتى تصير الخطوات التركية ذات معنى وذات جدوى؟ وأخيرا وليس آخرا، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة وأوروبا في احتواء'الغضبة التركية' بعدما فشلتا إلى جانب العرب في منع استمرار الاستيطان والعربدة الإسرائيلية؟
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية

الجامعة العربية: صنمُ الوحدةِ الذي لم يَعُدْ يُمَجِّدُه أحد
10/06/2010
مرة أخرى نعى 'رأي القدس' ليوم الجمعة 04-06-2010 النظامَ العربي الرسمي بعد الاطلاع على هزالة ما توصل إليه وزراء الخارجية في اجتماعهم في إطار الجامعة العربية والذي كان مخصصا لتدارس الهجوم الإسرائيلي الدامي على أسطول الحرية، فهزالة الموقف العربي كانت فعلا بمثابة عَرَضٍ آخَرَ من أعْراض الموت السريري للعمل العربي المشترك.
وبذلك وجب النعي في كل مرة يتم فيها إخراج رفاة الجامعة لتمثيل دور 'صنم الوحدة' الذي لم يعد يمجِّده أحدٌ. لقد ذكّرَني 'رأي القدس' بالجامعة العربية وكأنه يذكّرني بعزيز دفنَّاه، أَوَمَا زالتِ الجامعةُ العربية حيَّةً؟ أما زالت عَرَبَتُها تُدَخِّن وهي المُنْقلِبَةُ على قارعة طريق الوحدة؟ كان سقف انتظارات مؤسّسيها عاليا وتوهّموا وأوهموا الشعوب العربية أن الجامعة مدخل إلى الوحدة السياسية العربية، دون أن يحسبوا حساب التيارات المتغربنة والمتصهينة أو على الأقل حساب النزعة القُطْريةِ المتجذِّرة التي لم تُلْغِها الوصاية العثمانية وأسهَمَ في تكريسِها الاستعمار الأوروبي، فقد أُفْرِغَت الجامعة من مضمونها الوحدوي منذ التأسيس لأنها لم تُمنح أبدا السلطات أو الأدوات القانونية الكفيلة بضمان وحدة القرار العربي وإلْزاميته لكافة الأعضاء، وبقيت على مدى عقود تلعب دور جمعية للعلاقات العامة أو في أحسن الأحوال دور مجلس تشاور يتم فيه تجاذب أطراف الحديث حول كل شيء دون الالتزام بشيء، أو لِنَقُلْ إنّ الجامعة أصبحت تكتفي بدور 'المكتب الإعلامي العربي' لتتحول في المحصّلة إلى 'دِرْع سياسي وإعلامي جماعي واقٍ' يُجَنِّب أنظمةَ الدولِ الأعضاء تحمُّلَ المسؤولية أو التبعات فردياً. ففي موضوع أسطول الحرية وتبعاته ما الذي كان سيضير النظام المصري والسلطة الفلسطينية لو أنهما بادرا منذ زمن إلى التنديد بالحصار والمساهمة في فكّه وهما الأقدر على ذلك بعد إسرائيل طبعا؟ لكن النظام المصري والسلطة وجدا نفسيهما مضطرين أكثر من باقي الأنظمة العربية إلى تغيير موقفهما من النقيض إلى النقيض والاحتماء تحت عباءة الجامعة، الدرع الواقي الجماعي، ليظهر لنا السيد عمرو موسى المحدود الصلاحيات كأي كاتب عمومي، مرغما لا بطلا، وقد دُفع دفعا إلى تلاوة بيان مستنسخ مكرور ومطرّز بعبارات الإدانة والشجب والتنديد، والحق أن الرجل بذل من الجهود الشخصية الكثير دون جدوى لإعادة الروح إلى هياكل الجامعة المتكلّسة وطالب بمزيد من الصلاحيات وإلزامية القرارات، وأخذ لأجل ذلك مسافة معقولة من النظام المصري كلّفته حملات إعلامية شرسة من ذلك النظام عينه الذي سبق أن وجَّهَ ضربة قاصمة للعمل المشترك والقرار العربي الموحد، بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بشكل منفرد ودون سابق تشاور أو تنسيق. ليس هناك ما يمكن أن يُكْسب الجامعة العربية المصداقية والفعالية التي تفتقدها منذ نشأتها، أكثر من منحها الصلاحيات السياسية والاستراتيجية وكذا إحداث آليات لتفعيل إلزامية قراراتها (كإعادة تفعيل حلف الدفاع العربي المشترك مثلا)، أما أوجب واجباتها فهو في نظري السعي إلى سحب المبادرة العربية التي خفضت سقف المطالب العربية إلى أدناه وشجعت إسرائيل على العربدة بالمنطقة كما يحلو لها، مع دراسة كل الاحتمالات والبدائل الممكنة بما فيها احتمال الحرب إن لم يكن منها بُدٌّ، وإلا فلن يكون على السيد عمرو موسى إلا أن يضع المفتاح تحت السّجاد وينصرف إلى تقاعد مستحق آن أوانه.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية

العطر والقارورة بين 'كنافة' نابلس و'مسخّن' عارورة
03/05/2010

بينما تبدو منطقة الشرق الأوسط على شفير الانفجار، واحتمالات المواجهة العسكرية بأكثر من جبهة في أقصى مستوياتها منذ فترة ما قبل حرب رمضان 73، وفيما إسرائيل منشغلة بمواصلة الاستيطان وتهويد الأرض والمقدسات والتخطيط لتنفيذ أحدث صيغ الترانسفير وطرد الفلسطينيين من وطنهم وفي نيتها دقّ آخر مسمار في نعش السلطة وربما ضم الضفة، وفيما يستعد رباعي الممانعة ويضع آخر اللمسات على جاهزيته للمواجهة، فيما كل هذا الحراك وهذه الجلبة قائمان يجد رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض،
صاحب السلام الاقتصادي، سلام 'البطون وأضواء النيون'، يجد الوقت وهدوء الأعصاب الكافي للتنقل في ربوع الضفة متذوقا كنافةً هنا ومْسخّناً هناك، غير آبه بما يحاك لفلسطينيي الضفة وغير مراعٍ مشاعرَ المحاصَرين المجوَّعين من الفلسطينيين بغزة الصامدة، وكأنه يُمعِن في توجيه رسائلَ إليهم مَفادُها 'أنْ مَنِ اتّبع هُداي فلا خوفٌ عليهم ولا هُم يَسْغَبون'. بينما تُعِدّ إسرائيلُ إذنْ، في فورةِ عِنادٍ أرْعَنْ، 'مْسخّنَها' المُقرِف والمُقَرْفَنْ، يحلو لصاحب شعار 'سلامُ الاقتصادْ، خيرٌ فيّاضْ' أن يبذل الجهد والنفيس للتقيّد في موسوعة غينيس، بطبق كنافة هنا وصحن مسخّن هناك و'مَدْري إيشْ' هنالك، بدل السعي كما وعد مرارا إلى التقيّد كدولة مستقلة وذات سيادة في لوائح الأمم المتحدة، وكأنه يخشى أن يسبقه إلى غينس المسخن الهندي أوالكنافة البرازيلية ! فالدكتور فياض بخطواته الشجاعة هذه كخبير 'طبخات معصلجة'، وبالإشراف شخصيا رفقة ثلة من وزرائه على كنافة نابلس ومسخن عارورة، ربما يسعى إلى 'تسخين المقاومة'(نسبة إلى المسخّن) عبر بوابة التراث، مقاومة من نوع جديد مبتكر (ولا غاندي في أيّامه)، سهلة الاستعمال وفي متناول الجميع، يمكن أن نطلق عليها 'المقاومة بالمسخّن'، وهي على فكرة مقاومة قليلةُ الخسائر والأعراض الجانبية، تخمةٌ أو إسهال لدى البعض ويتم بلوغ االمراد أي 'التشبث بالأصالة والارتباط بالأرض'.وكعادتي في جمع مظاهر التخلف العربية 'الأصيلة' كما يجمع بعضهم الطوابع البريدية، خمنت أن يكون سبب 'انتفاضة المقالي والمشاوي' هذه، إصابة السلطة الفلسطينية بعدوى يمكن تسميتها 'عدوى أكبر (تفاهة) وأول (حماقة) في العالم'. صحيح أنها عدوى أصابت العالم أجمع لكن على مستوى الأفراد والجمعيات ولم تلق الرعاية والاحتضان من أعلى السلطات كما هو الحال لدينا. من قال إنه ليس لدينا نحن العرب نفس الطبائع ونفس العقول في الكعوب من المحيط إلى الخليج ؟ ألا نتشاطر ونتبادل التجارب الفاشلة ويشد بعضنا أزر بعض في الحفاظ على المظاهر المتخلفة وصيانة الظواهر الشاذة ؟ خير مثال يمكن أن نأتي به في سياق موضوعنا هو ظاهرة تهافت الأنظمة على تحقيق 'أكبر كذا أو أول كذا'، فمن أكبر كبة في لبنان إلى أكبر مشوي في تونس إلى أكبر كسكس بالمغرب، إلى أكبر كشري وأكبر سحور وأعمق وأسمك وأذلّ سور، وأكبر 'وقفةِ أيتامٍ، تحت الأهرام' ، مرورا بأكبر كنافة وأكبر مسخّن وأطول دبكة، في استباق غريب لِوَلائِم وأفراح تحرير القدس ! ومن أول ملتقى 'لتلاقح' الأديان إلى أول مزلج في الصحراء، ليكتمل المشهد ب'مفخرة' أول عرض علنــــــي للملابــــس(أو بالأحرى الخيوط) الداخلية النسوية في العالم العربي ! لا عجب أن تكون كل هذه 'الإنجازات' العربية تافهة وسطحية ومُكْلِـــــفة ومُتَكــَلِّفة، ولا غرابة أن يدبّ الهوان إلى أوصالنا بهذا الشكل، فالتخلف لا ينتج إلا التخلف، لِما يؤدي إليه من ضعف ودونية وتزلُّف. فمن يوقف مسلسل المهازل هذا؟ يكفينا 'فخرا'، إن كان الفخر هو ما نصبو إليه من وراء مثل هذه البهرجة وهذه الشطحات، أننا أكبر أمة مقسمة في العالم، نملك أكبر احتياطيات الطاقة وأكبر الصناديق 'الأَسيادية' (ندعوها سيادية!) وأحسن موقع جغرافي في العالم، ومع ذلك لا نفرط في مراتبنا التي هي الأدنى في العالم، وبالأخص حين يتعلق الأمر بما يمكث في الأرض وينفع الناس، وليس بمجرّد الزَّبَد الذاهب جُفاءً. عن أي سبْق وعن أية ريادة نتحدث ونحن نملك أدنى معدلات التنمية وأعلى معدلات الفقر والبطالة والأمية والفساد والانحراف والجريمة في العالم؟
عبد اللطيف البوزيدي- كاتب مغربي - القدس العربي اللندنية
لمصدر : القدس العربي
في نقد الإعلام المبرمَج ودخول 'غوغل' على الخط
30/4/2010
هالني ما جاء في افتتاحيةٍ لإحدى صحف المهجر العربية بشأن تنظيم القاعدة، ليس لأن كاتبها أتى بجديدٍ حول الهجمة المريعة والمحزنة الأخيرة بالعراق، فمثل نغمته الهتشكوكية حول خطورة ووحشية تنظيم شبح لم تعد تطرب أحدا لكثرة ترددها على المسامع، ولا أحد عاد يجهل أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، بغض النظر عن طبيعته المقاومة حسب البعض أو الإرهابية حسب البعض الآخر، صار مشجبا تعلق عليه الأطراف الداخلية والخارجية كل مآسي العراق، أو منشفة يمسح بها مجرمو الداخل والخارج أيديهم بعد كل مذبحة يباشرون أو يُسَهّلون تنفيذَها، ولا أحد ما زال يصدق بالحرف كل ما ينسب لهذا التنظيم المحيّر، وإن أجهد بعضُ الكتّاب أنفسَهم في إبراز دوره دون غيره من المتسبّبين في فيضان 'وادي الدّماء' بالعراق. إنما هالني في الافتتاحية المذكورة مدى استماتة أقلام عربية وفي جو لندني يعبق بنسائم 'حرية التعبير' وحصانة الإعلام، استماتتها في محاربة تنظيم شبح تدعي لوحدها القدرة على رؤيته في أوضح صورة، في مقابل عدم جرأة نفس الأقلام على مجرد ذكر ما تبدَّى وثبت من جرائم 'ناعمة' وأخرى 'وحشية' اقترفها وما يزالون من تسميهم باختصار واحتشام:'الاحتلال'.
هالني كل ما تكدس بنفس الافتتاحية من تأكيدات لا تستند إلى أية وقائع أو حقائق ثابتة، أنا الذي هجرت مثل تلك الصحافة منذ أمد وبالذات بسبب قلة الموضوعية، لأعود إليها في إطلالةِ فضولٍ عابرة على أمل أن تكون الطفرة الإعلامية قد غيرت فيها شيئا، فأجدَ حالتها قد استفحلت، وأجدَ التحيّزَ والتهافت قد بلغا لديْها مداهما، فلم تعد تأبه لما يقال عن تحيزها المفضوح لأنظمة بعينها بالمنطقة وحليفها الاحتلال المتدثّر بدشداشة الديمقراطية المزعومة. بل أكثر من ذلك عدت لأجدَ تجرُّدَ تلك الأقلام من الموضوعية قد زاد عن حدّه، وافتقارَها إلى الوقار الإعلامي النابع من احترام ذكاء القارئ قد تحوَّل إلى 'أَنِيمْيا' فكرية وإعلامية. كان الرجل يستميت جَهْد ما استطاع في تحميل القاعدة كل ويلات العراق، وكانت تأكيداته من النوع الذي لا يجرؤ عليه حتى خبراء شؤون التنظيم الذين غالبا ما ينطلقون من فرضيات ليصلوا إلى أخرى دون التورط في ادعاء امتلاك الخبر اليقين حول طبيعة تنظيم القاعدة أو تحركاته واستراتيجيته، فقد كان الرجل يؤكد جازما أن القاعدة 'تحاول إيقاظ الفتنة' وكأن فتنة العراق نامت ولو ليوم واحد منذ سبع سنوات، وأنها 'تستدعي الحرب الأهلية والمذهبية' (عدنا إلى فرضية استمتاع الإسلاميين بالقتال واحتفائهم بطقوس الحرب المسلّية) وأنها 'تتخذ الدعوة إلى انسحاب أمريكي ذريعة لاستباحة أرض العراق' (من يستبيح ماذا؟) أما درة تأكيدات كاتب الافتتاحية فكانت بالتأكيد قوله: 'حرصت القاعدة منذ اللحظة الأولى على استهداف أجهزة الأمن والجيش، أي استهداف ما يساعد على التعجيل بانسحاب قوات الاحتلال'، وبذلك صار من يحارب الاحتلال وأزلامه هو من يريد بقاءه.
صحيح أنه لا يمكن لمتأمل الهجمات التي تنسب إلى تنظيم القاعدة أو حتى تلك التي يعلن مسؤوليته عنها، إلا أن يقرّ بأن أساليبه خارجة عن المألوف حتى إسلاميا، بل يمكن وصفها كما وصفها صاحبنا بـ'الوحشية' ما دامت تحدث أضرارا بشرية فظيعة، غير أنها لا يمكن أن تتفوّق في الوحشية على أساليب المحتل الأمريكي من تعذيب واغتصاب ويورانيوم منضب...، أو أساليب الصهاينة من جعل المدنيين دروعا بشرية واستهدافهم بالقنابل العنقودية والفوسفورية... ولست أقصد بهذا الدفاعَ عن تنظيم شبح لديه من المنظّرين والناطقين الرسميين مَنْ يتناقلُ العالمُ في سرعة البرق بياناتِهم وبجميع اللغات، كما لا أقصد استحسان أساليب التنظيم الانتحارية التي فيها من الجبن والاتّكالية والتغرير والعشوائية ما يبعدها كلّيا عن الأساليب 'الجهادية' الدفاعية التي يرتضيها الإسلام بمختلف طوائفه ومذاهبه، وتصفها وصفا دقيقا مصادرُ تشريعِه، مِنَ التّعاملِ مع البشر إلى معاملة الشجر والحجر أثناء القتال، إنّما أقصد استنكار التّضليل الذي تمارسه بعض الكتائب الإعلامية للأنظمة، تضليل دافعُهُ في الحالة العراقية بالذّات هو في اعتقادي ما أسمته الدكتورة مضاوي الرشيد 'عقدة العراق' التي تعاني منها منذ الأزل معظم أنظمة المنطقة. كما أقصد بالتحديد استهجان محاولات صرف الأنظار عن الاحتلال الأمريكي الدنيء وما سبّبه وما زال يسبّبه للعراق وأهله، وجعله في منزلة من دخل العراق عن وجه حق ولا ينتظر للانسحاب منه إلا تبخُّرَ القاعدة لينصرف بعد إتمام مهمّته الإنسانية! إنه التطبيع مع الاحتلال والهيمنة الغربية في أوضح تجلّياته، بل هو في اعتقادي ما يسميه الكاتب صبحي حديدي 'تجميل وجه الهيمنة القبيح'.
وما دمنا بصدد الحديث عن 'القاعدة'، والقاعدة بـ'القاعدة' تذكر، فإنّ النظرة المقارنة بين تنظيم القاعدة والاحتلال يجب أن تبنى على قاعدة أكبر مجموع من الأذى وليس على قاعدة آخر ضحيّة. نعم لمواساة شعب العراق في كل ما يصيبه من القاعدة أو من غيرها، لكن ليس على طريقة 'لا تبْكِ يا بُنيّ، فالأشباح التي تُخيفُك سيطردُها العمُّ سام'. نعم وألف نعم للتقريب بين شيعة العراق وسنّته والتطرّق لأسباب تباعُدِهما، لكن رجاءً ليس على طريقة 'أسنانُك المسوّسة يا بُنيّ أكلَتْها الفارة (أو القاعدة)'.
لم أكن أتصوّر أن تصدر عن الإعلاميين العرب بالمهجر مثل تلك الافتتاحية إلى جانب روائع بعضٍ من أعمدة الإعلام العربي المعاصر، لذلك تبادر إلى ذهني حجم الضّرر الذي تُحدثه في الوعي الجماعي العربي بعضُ الخطوط التحريرية 'المائلة' مَيَلاناً غريباً، كما تساءلت عن سُبُل تمييز القارئ العربي بين الصالح والطالح من الخطوط التحريرية لوسائل الإعلام العربية المختلفة، في ظروف تعثر الديمقراطية وحرية التعبير وفي ظل غياب وسائلَ إحصائيةٍ تُمكِّن من إبراز الأكثرِ جدّية ومصداقية وتتبُّعا. كان ذلك قبل أن يبشّرنا السيد عبد الباري عطوان بدخول مؤسسة 'غوغل' على الخطّ كمؤسسة علمية وتكنولوجية متخصّصة، أقصد دخولها على خطّ الإعلام العربي، لتبوؤ كلّ مؤسسة إعلامية مكانتها اللائقة بها، وتتوّج الإعلام العربي الرصين في شخص 'القدس العربي' التي علمنا جميعا أنّ موقعها لوحده يستقطب ثمانية ملايين قارئ شهريا، أي ما يعادل المائة مليون سنويا، وهو رقم مذهل إذا علمنا أنّ مجموع مستعملي الإنترنت العرب لا يتجاوز الأربعين مليونا. لن أكتب عن مثل تلك الافتتاحيات بعد الآن، فقد صار بإمكاني بقليل من كبسات أزرار أن أتأكد من أنها لم تُلحق ضررا يستدعي الإصلاح، وأنها بقيت كما يجدر لها أن تبقى، مُجرّد صيحات في واد يُقارب عددُ رُوادِه الصّفْر.

عبد اللطيف البوزيدي - كاتب من المغرب - القدس العربي اللندنية

الثلاثاء، 20 يوليو 2010

كوميديا سوداء ل 'شاهد مَفْهِمْش حاجة!': حول تعليقات شعبولا السياسية!
7/20/2010


كان الحوار الذي أجرته 'القدس العربي' مع المغني الشعبي المصري 'شعبولا' أول ما استرعى انتباهي وأول ما بادرت إلى قراءته عند تصفحي موقع الجريدة، مع أن كلمة رئيس التحرير كانت حاضرة وتناولت موضوعا من الأهمية بمكان هو موضوع الثورة القرغيزية الحبلى بالعبر والدلالات بالنسبة للشعوب العربية. ضروري أن تُدْرَس وتُحلّل بكل تمحُّصٍ التصريحاتُ الدبلوماسية الرسمية لشخصيات مؤثرة، أو الأحداث المستجدة كالثورة القرغيزية 'المستمرة والمفتوحة'، فهي تمكن من استخلاص العبر والأدلة المنطقية على وجود أو استحكام داء من الأدواء، تماما مثلما استخلصت كلمة رئيس التحرير استنتاجاً لا يخرّ المنطق مفادُه أنه 'يبدو أن المشكلة لم تعد في الحكام العرب وإنما في الشعوب العربية أيضا'. مثل هذه الاستنتاجات تشير إلى الداء وتصف أعراضه الظاهرة منها والخفية لكنها لا تميط اللثام تماما عن أسبابه الحقيقية إلا إذا اقترنت بدراسات من نوع آخر هي غالبا في المتناول ألا وهي الدراسات الاجتماعية لنماذج 'الشخصية العامية' التي تشكّلُ أغلبيةَ الشعوب العربية بسبب ما هو مُتفشٍّ في أوساطها من فقر وأمية وكلّ مكوّنات وبَهارات 'خلطة التخلّف'. ولعل هذا هو ما انتبهت إليه 'القدس العربي' بإجراء حوار مع الفنان 'العامي' شعبولا الذي 'كبّرُوها في دْماغُه' فلم يعد يتوانى عن ركوب المستنقع السياسي المصري (وعلى أعلى المستويات خَلِّي بالَكْ!)، ويتصرف مثل فنانين 'زعماء' آخرين كشهود 'مفهموش حاجة'!. كان الحوار شيّقا لأنه كان مفيدا ومسليا في آن، إذ لم تغادر البسمة محيّاي وأنا أطالعه بشغف، بل إنه جعلني في مقاطع منه أخرق سكون الليل بقهقهات عالية، 'دمّو خفيف بشكل، شعبولّا دا!' قلت في نفسي مرارا وباللهجة المصرية انسجاما مع مقتضى الحال. لم يخب حدسي إذن وكان الحوار مع 'شعبولا' زاخرا بالمعطيات التي تسهّل تحليل شخصية رجل يتماهى فيه الملايين، الرجل الذي يمكن لوحده أن يشكّل عيّنةً تغني الباحثين الاجتماعيين عن عينات بحث مئويةٍ أو ألفيةٍ مُجهِدة ومكلفة، لينوب عن عوامّ وأمّيي الوطن العربي، الرجل الطيب الذي صدّق أنّ كبار البلد يكرهون إسرائيل فكَرِهَها وصمّ الآذان بكُرْهها، ولو علِم أنّهم صاروا يكرهون خصومها لُأحبَّها لِتَوٍّه وصمّ (بردو) الآذان بحبها، إذ يكفي أن يشير عليه بذلك 'أولاد الحلال اللي بيقروا جرايد' ليتصل بكاتب كلماته قائلا : ' كَوَّرْ وِهَاتْ أَعطيهُم، مَاجُورْ' .
قلت بالحرف في مقال سابق عن جمال مبارك، والشخصية بالشخصية تُذْكر، أنّه 'حتى قبل ترشحه قد جمع من المعارضين ما يكفي لإنجاح 'شعبولا' لو ترشح ضده' وأضفت: 'مع احترامي للأخير كفنان شعبي ملتزم'، لكن فاتني أن أضيف''ملتزم بما ينصحه به 'أولاد الحلال اللي بيقروا جرايد، واللي ميقدرش يزعّلهم'، كان حديثي عن ترشح 'شعبولا' ضد جمال مبارك من باب المجاز لكنه تحول بعد أسبوعين فقط إلى واقع بشكل من الأشكال، فـ'شعبولا' ينوي فعلا الترشح، لكن ليس للرئاسة، معاذ الله! فهذه بالذات 'محدّش يقدر يكبّرها في دماغه' لسببين وجيهين، الأول أن 'عقل باله قال له ياكل عيش ويربط الحمار مطرح ما يقول صاحبه' والسبب الثاني بكل بساطة أنه 'لا يريد مثل البرادعي أن يستولي على منصبِ رئيسٍ لِسَّه مشبعش مِنّو'، إنما يريد 'شعبولا' الترشح لمجلس الشعب وبسّ، أضف إلى ذلك، وحتى لا يُساء فهم كلامِه، أنه اشترط على نفسه 'كابن حلالٍ مبتدِئ' أن يترشح بعيدا عن دائرة السيد يوسف بطرس غالي، 'وبعدين الكِبيرْ كِبيرْ، آهْ!' ألم أقل لكم أني 'أخشى' أن يهزِمَ 'شعبولا' جمال في الانتخابات؟ ها هو ذا بنفسه يخشى من نفسه على يوسف 'صاحب الفضل عليه'. وطبعا وحتى لا يساء فهمي، فأنا لا أجادل في حق أي مواطن مصري في 'الترشح' لمجلس الشعب أو حتى 'التحرّش' برئاسة مخوصصة مصون كما فعل البرادعي دون أن 'يخشى أو يختشي'، فشعبولا في النهاية لا يختلف كثيرا (أقصد فكريا) عن نسبة مهمة من البرلمانيين العرب، بل إنه يتفوق على معظمهم في الجهر 'بكُرْهِ إسرائيل' والدعوةِ إلى إزالتها، هذا إذا كان ما يزال على كرهه إياها ولم يتصل به 'أولاد الحلال' ليحذّروه من تهمة معاداة السامية المسلطة على الرقاب هذه الأيام، ولأن هؤلاء 'بيقروا جرايد' فإنهم سيحذرونه من أن الاعتذار لن ينفعه مع إسرائيل، وسيُذكِّرونه بمصير السيد فاروق حسني الذي زحلقته إسرائيل حين كان على وشك انتزاع منصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو رغم اعتذاراته، ولم يشفع له لديها كونه 'راجل معروف للدنيا وِمْصاحِبْ الرّؤسا' على غرار السيد البرادعي. هنا قد يقول لي قائل : 'لا ترعب الرجل بإسرائيل أكثر مما هو مرعوب، فقد كان على وشك أن يُعلّقَ من لسانه لو غنى عن البرادعي حين كان ما يزال يظنه من أقارب الرئيس!' صحيح أن الرجل كاد يفقد لسانه مصدر رزقه فيصير مثل ذلك الذي صار يجري بين الجموع ويصيح واضعا يده على خدّه : 'ضاع مستقبلي ضاع مستقبلي' فلما لحق الناس به ليستفسروه وجدوا أنه زمّار انفجر خده من شدة النفخ في المزمار. بحق لا أريد أن أرعب الرجل، فهو قبل وبعد كل شيء رب أسرة طيّب وإن كان على نياته 'شيئا ما!'، إنما أردت أن أَسُوقَ تصريحاته العفوية والساذجة أحيانا، كمثال صارخ بل مثالٍ 'صادحٍ وشادٍ' عن الضحالة المعرفية والفكرية والخواء السياسي المُطْبِق الذي وصل إليه عشرات الملايين من المصريين والعرب عموما، من فرط التفقير والحرمان من تعليم أساسي ذي مستوى يكفل الحد الأدنى من المعرفة ويضمن إمكانية استمرار التعلُّم والتثقيف اللازمين لممارسة سليمة للمواطنة حقوقا وواجبات. وليْتهم على الأقل تُرِكوا في حالهم ولم يَزُجَّ بهم 'أولاد الحلال اللي بيقروا جرايد' في لعبة وصراعات لا قِبَلَ لهم بها ولا يفهمونها أصلاً،فحوّلوهم تارة إلى ديكور لديمقراطيات صورية، وتارة أخرى إلى مطبِّلين ومزمِّرين وسُعاة أوراقِ تصويتٍ يضعونها حيث يُمْلى عليهم.
عبد اللطيف البوزيدي - كاتب من المغرب - القدس العربي اللندنية